عَلَى نَفْسه، مُتَأَيِّدَة بِأَنَّ الْأَصْل فِي الْمَيْتَة التَّحْرِيم، فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَب الْمُبِيح، رَجَعْنَا إِلَى الْأَصْل، وَظَاهِرِ الْقُرْآن أَيْضًا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا، أَنَّ الَّذِي يُمْسِكهُ مِنْ غَيْر إِرْسَال لَا يُبَاح، وَيَتَقَوَّى أَيْضًا بِالشَّاهِدِ مِنْ حَدِيث ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -، عِنْد أَحْمَد: "إِذَا أَرْسَلْت الْكَلْب، فَأَكَلَ الصَّيْد، فَلَا تَأْكُل، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه، وَإِذَا أَرْسَلْته فَقَتَلَ، وَلَمْ يَأْكُل فَكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ". وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّار مِنْ وَجْه آخَر، عَن ابْنِ عَبَّاس، وَابْنُ أَبِي شَيْبَة، مِنْ حَدِيث أَبِي رَافِعٍ بِمَعْنَاهُ، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّد الْإمْسَاك كَافِيًا، لَمَا احْتِيجَ إِلَى زِيَادَة: {عَلَيْكُمْ}.
[وَمِنْهَا]: - لِلْقَائِلِينَ بِالْإبَاحَةِ - حَمْلُ حَدِيث عَدِيٍّ عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه، وَحَدِيث أَبِي ثَعْلَبَة عَلَى بَيَان الْجَوَاز. قَالَ بَعْضهمْ: وَمُنَاسَبَة ذَلِكَ أَنَّ عَدِيًّا، كَانَ مُوسِرًا، فَاخْتِيرَ لَهُ الْحَمْل عَلَى الْأَوْلَى، بِخِلَافِ أَبِي ثَعْلَبَة، فَإِنَّهُ كَانَ بِعَكْسِهِ. قال الحافظ: وَلا يَخْفَى ضَعْف هَذَا التَّمَسُّك، مَعَ التَّصْرِيح بِالتَّعْلِيلِ فِي الْحَدِيث، بِخَوْفِ الإِمْسَاك عَلَى نَفْسه.
وَقَالَ ابْنِ التِّين: قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: هُوَ عَامّ، فَيُحْمَل عَلَى الَّذِي أَدْرَكَهُ مَيِّتًا، مِنْ شِدَّة الْعَدْو، أَوْ مِنْ الصَّدْمَة، فَأَكَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَلَى صِفَة، لَا يَتَعَلَّق بِهَا الإِرْسَال، وَلا الإِمْسَاك عَلَى صَاحِبِهِ، قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْله: "فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُل"؛ أي: لا يُوجَد مِنْهُ غَيْر مُجَرَّد الْأَكْل، دُون إِرْسَال الصَّائِد لَهُ، وَتَكُون هَذِهِ الْجُمْلَة مَقْطُوعَة عَمَّا قَبْلهَا. قال الحافظ: وَلا يَخْفَى تَعَسُّف هَذَا، وَبُعْده.
وَقَالَ ابْن الْقَصَّار: مُجَرَّد إِرْسَالنَا الْكَلْب إِمْسَاكٌ عَلَيْنَا؛ لأَنَّ الْكَلْب لَا نِيَّة لَهُ، وَلَا يَصِحّ مِنْهُ مَيْزهَا (١)، وَإِنَّمَا يَتَصَيَّد بِالتَّعْلِيمِ، فَإِذَا كَانَ الاعْتِبَار بِأَنْ يُمْسِك عَلَيْنَا، أَوْ عَلَى نَفْسه، وَاخْتَلَفَ الْحُكْم فِي ذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ يَتَمَيَّز ذَلِكَ بِنِيَّةِ مَنْ لَهُ نِيَّة، وَهُوَ مُرْسِله، فَإِذَا أَرْسَلَهُ فَقَدْ أَمْسَكَ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يُرْسِلهُ لَمْ يُمْسِك عَلَيْهِ. كَذَا قَالَ، وَلَا يَخْفَى بُعْده أَيْضًا، وَمُصَادَمَته لِسِيَاقِ الْحَدِيث.
وَقَدْ قَالَ الْجُمْهُور: إِنَّ مَعْنَى قَوْله: {أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}: صِدْنَ لَكُمْ، وَقَدْ
(١) هكذا نسخة "الفتح" ولعل الصواب: "تمييزها"، فليُحرّر، والله تعالى أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute