للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جَعَلَ الشَّارع أَكْله مِنْهُ عَلَامَة عَلَى أَنَّهُ أَمْسَكَ لِنَفْسِهِ، لَا لِصَاحِبِهِ، فَلَا يُعْدَل عَن ذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة لابْنِ أَبِي شَيْبَة: "إِنْ شَرِبَ مِنْ دَمِهِ، فَلَا تَأْكُل، فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلَّمْ مَا عَلَّمَتْهُ"، وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِي أَكْله، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ التَّعْلِيمَ الْمُشْتَرَطَ.

وَسَلَكَ بَعْض الْمَالِكِيَّة التَّرْجِيح، فَقَالَ: هَذِهِ اللَّفْظَة ذَكَرَهَا الشَّعْبِيّ، وَلَمْ يَذْكُرهَا هَمَّام، وَعَارَضَهَا حَدِيث أَبِي ثَعْلَبَة. وَهَذَا - قال الحافظ - تَرْجِيح مَرْدُود، لِمَا تَقَدَّمَ.

وَتَمَسَّك بَعْضهمْ بِالإِجْمَاعِ عَلَى جَوَاز أَكْله، إِذَا أَخَذَهُ الْكَلْب بِفِيهِ، وَهَمَّ بِأَكْلِهِ، فَأُدْرِك قَبْل أَنْ يَأْكُل، قَالَ: فَلَوْ كَانَ أَكْله مِنْهُ دَالًا عَلَى أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه، لَكَانَ تَنَاوُله بِفِيهِ، وَشُرُوعه فِي أَكْله كَذَلِكَ، وَلَكِنْ يُشْتَرَط أَنْ يَقِف الصَّائِد، حَتَّى يَنْظُر هَلْ يَأْكُل، أَوْ لا؟ انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن ما ذهب إليه الجمهور، من عدم جواز أكل ما أكل منه الكلب هو الأرجح؛ ترجيحًا لحديث عديّ - رضي الله عنه - المتّفق عليه، الموافق لظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، وأما حديث أبي ثعلبة - رضي الله عنه -، وإن قلنا بأنه صالح للاحتجاج، فإنه دون حديث عديّ المتّفق عليه، فلا يقوى لمعارضته، فتأملّ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:

[٤٩٦٥] (. . .) - (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلَابِ، فَقَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، وَإِنْ قَتَلْنَ، إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ").

رجال هذا الإسناد: خمسة:

١ - (ابْنُ فُضَيْلٍ) هو: محمد بن فُضيل بن غَزوان الضبيّ مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفيّ، ثقةٌ رُمي بالتشيّع [٩] (ت ١٩٥) (ع) تقدم في "الإيمان" ٦٣/ ٣٥٨.