وخبرها قوله:(بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)؛ يعني: بالشام، وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا الشام، وتنصّروا، منهم آل غَسّان، وتنوخ، وبَهْز، وبطون من قُضاعة، منهم بنو خُشَين آل أبي ثعلبة. (نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ) جَمْع إناء، والأواني جَمْع آنية، وفي رواية البخاريّ - رحمه الله -: "أفنأكل في آنيتهم؟ ".
(وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي) قال المجد: "القوس" معروفة، وقد تذكّر، وتصغيرها قويسة، وقُويسٌ، والجمع قِسِيّ، وقُسيّ، وأقواسٌ، وقِيَاسٌ. انتهى.
وقال في "الفتح": وهي مركّبة، وغير مركّبة، ويُطلق لفظ القوس أيضًا على الثمر الذي يبقى في أسفل النخلة، وليس مرادًا هنا. انتهى.
(وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، أَوْ بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، فَأَخْبِرْنِي مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكُمْ بِأَرْضِ قَوْمٍ مِن أَهْلِ الْكِتَابِ، تَأْكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، ثُمَّ كُلُوا فِيهَا) قال في "الفتح": تمسَّكَ بهذا الأمر من رأى أن استعمال آنية أهل الكتاب تتوقف على الغسل؛ لكثرة استعمالهم النجاسة، ومنهم من يتديّن بملابستها.
قال ابن دقيق العيد: وقد اختَلَف الفقهاء في ذلك؛ بناء على تعارض الأصل والغالب، واحتَجَّ من قال بما دل عليه هذا الحديث بأن الظنّ المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل، وأجاب من قال بأن الحكم للأصل حتى تتحقق النجاسة بجوابين:
أحدهما: أن الأمر بالغسل محمول على الاستحباب احتياطًا؛ جمعًا بينه وبين ما دل على التمسك بالأصل.
والثاني: أن المراد بحديث أبي ثعلبة حالُ من يتحقق النجاسة فيه، ويؤيده ذِكر المجوس؛ لأن أوانيهم نجسة؛ لكونهم لا تحل ذبائحهم.
وقال النوويّ: المراد بالآنية في حديث أبي ثعلبة آنية مَن يَطْبُخ فيها لحم الخنزير، ويشرب فيها الخمر، كما وقع التصريح به في رواية أبي داود: "إنا نجاور أهل الكتاب، وهم يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر"، فقال، فذكر الجواب.
وأما الفقهاء فمرادهم مُطلق آنية الكفار التي ليست مستعمَلة في النجاسة،