فإنه يجوز استعمالها، ولو لم تُغسل عندهم، وإن كان الأَولى الغسل للخروج من الخلاف، لا لثبوت الكراهة في ذلك.
ويَحْتَمِل أن يكون استعمالها بلا غسل مكروهًا؛ بناءً على الجواب الأول، وهو الظاهر من الحديث، وأن استعمالها مع الغسل رخصة، إذا وجد غيرها، فإن لم يجد جاز بلا كراهة؛ للنهي عن الأكل فيها مطلقًا، وتعليق الإذن على عدم غيرها مع غسلها.
وتمسَّك بهذا بعض المالكية لقولهم: إنه يتعيَّن كسر آنية الخمر على كل حال؛ بناءً على أنها لا تطهر بالغسل، واستدلّ بالتفصيل المذكور؛ لأن الغسل لو كان مطهِّرًا لها لَمَا كان للتفصيل معنى.
وتُعُقِّب بأنه لم ينحصر في كون العين تصير نجسة بحيث لا تطهر أصلًا، بل يَحتَمِل أن يكون التفصيل للأخذ بالأَولى، فإن الإناء الذي يُطبخ فيه الخنزير يُستقذر، ولو غُسل كما يُكره الشرب في المحجمة، ولو غُسلت استقذارًا.
ومشى ابن حزم على ظاهريته، فقال: لا يجوز استعمال آنية أهل الكتاب إلا بشرطين: أحدهما: أن لا يجد غيرها، والثاني: غسلها.
وأجيب بما تقدم من أن أَمْره بالغسل عند فَقْد غيرها دالّ على طهارتها بالغسل، والأمر باجتنابها عند وجود غيرها للمبالغة في التنفير عنها، كما في حديث سلمة - رضي الله عنه - في الأمر بكسر القدور التي طُبخت فيها الميتة، فقال رجل:"أَوْ نغسلها؟ " فقال: "أوْ ذاك"، فأمَرَ بالكسر للمبالغة في التنفير عنها، ثم أذِن في الغسل ترخيصًا، فكذلك يتجه هذا هنا، والله أعلم (١).
(وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ، فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ)؛ أي: عند الرمي، لا عند الأكل، كما هو المتبادَر، وقد تمسك بهذا من أوجب التسمية على الصيد وعلى الذبيحة، وقد تقدَّمت مباحثه في المسألة السابعة من مسائل حديث عديّ بن حاتم - رضي الله عنه -، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
(ثُمَّ كُلْ) وقع هذا الحديث مفسَّرًا في رواية أبي داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن أعرابيًا، يقال له: أبو ثعلبة، قال: يا
(١) "الفتح" ١٢/ ٤٢٩ - ٤٣٠، كتاب "الذبائح" رقم (٥٤٧٨).