للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مسلم: "لولا أني ميتٌ ما حدثتك"، فكأنه كان يَخْشَى بطشه، فلما نزل به الموت أراد أن يَكُفّ بذلك بعض شره عن المسلمين، وإلى ذلك وقعت الإشارة في الرواية الآتية من طريق أبي المليح: أن عبيد الله بن زياد عاد مَعْقِل بن يسار، فقال له معقل: "لولا أني في الموت ما حدثتك".

وقد أخرج الطبراني في "الكبير" من وجه آخر عن الحسن، قال: لَمّا قَدِمَ علينا عبيد الله بن زياد أميرًا - أَمَّرَه علينا معاويةُ - غلامًا سفيهًا، يَسْفِك الدماء سَفْكًا شديدًا، وفينا عبد الله بن مغفل المزنيّ، فدَخَل عليه ذات يوم، فقال له: انْتَهِ عما أراك تصنعُ، فقال له: وما أنت وذاك؟، قال: ثم خَرَجَ إلى المسجد، فقلنا له: ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس؟، فقال: إنه كان عندي علمٌ، فأحببت أن لا أموت حتى أقول به على رؤوس الناس، ثم قام، في لَبِثَ أن مَرِضَ مرضه الذي تُوُفِّي فيه، فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده، فذكر نحو حديث الباب، فيحتمل أن تكون القصة وقعت للصحابيين، قاله في "الفتح" (١).

(إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا) نافية (مِنْ) زائدة للتأكيد، كما قال في "الخلاصة":

وَزِيدَ فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرْ … نَكِرَةً كَـ "مَا لِبَاغٍ مِنْ مَفَرْ"

(عَبْدٍ) مبتدأٍ خبره قوله: "إلَّا حرّم الله … إلخ" (يَسْتَرْعِيهِ اللهُ) أي: يستحفظه، ويجعله راعيًا لهم، قيل: السين والتاء للصيرورة، أي: صيّره الله راعيًا لهم، والجملة صفة لـ "عبد ووقع في بعض نسخ البخاريّ: "استرعاه الله" (رَعِيَّةً) بفتح، فكسر: فَعِلية بمعنى مفعولة، أي: مَرْعيّةً محفوظة، قال ابن الأثير: الرَّعِيّةُ: كلُّ من شَمِله حفظ الراعي ونظره (٢).

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "ما من عبد … إلخ" هو لفظ عامّ في كلّ من كُلّف حفظَ غيره، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّكم راع، وكلّكم مسئول عن رعيّته، فالإمام راعٍ، ومسؤول عن رعيّته … " (٣)، وهكذًا الرجل على أهل بيته، والولد، والعبد، والرعاية: الحفظ والصيانة، والغشّ: ضدّ النصيحة، وحاصله راجع


(١) "الفتح" ١٣/ ١٣٧ "كتاب الأحكام" رقم (٧١٥٠ و ٧١٥١).
(٢) "النهاية" ٢/ ٢٣٦.
(٣) متّفقٌ عليه.