وقال في "الفتح": قَالَ التِّرْمِذِيّ: الْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أَكْثَر أَهْل الْعِلْم، وَعَن بَعْضهمْ: لا يَحْرُم، وَحَكَى ابْن وَهْب، وَابْن عبد الحَكَم، عَن مَالِك كَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: الْمَشْهُور عَنهُ الْكَرَاهَة. وَقَالَ ابْن عبد البَرّ: اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ابْن عَبَّاس، وَعَائِشَة، وَجَابِر، وعَن ابْن عُمَر مِنْ وَجْه ضَعِيف، وَهُوَ قَوْل الشَّعْبِيّ، وَسَعِيد بْن جُبَيْر.
وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ: {قُلْ لَا أَجِدُ} الآية.
وَالْجَوَاب أَنَّهَا مَكِّيَّة، وَحَدِيث التَّحْرِيم بَعْد الْهِجْرَة.
ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ نَصَّ الْآيَة عَدَم تَحْرِيم غَيْر مَا ذُكِرَ إِذْ ذَاكَ، فَلَيْسَ فِيهَا نَفْي مَا سَيَأْتِي، وَعَن بَعْضهمْ: أَنَّ آيَة الْأَنْعَام خَاصَّة، بِبَهِيمَةِ الْأَنْعَام؛ لأَنَّهُ تَقَدَّمَ قَبْلهَا حِكَايَة عَن الْجَاهِلِيَّة، أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ أَشْيَاء، مِنْ الأَزْوَاج الثَّمَانِيَة بِآرَائِهِمْ، فَنَزَلَتْ الْآيَة: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية؛ أي: مِنَ الْمَذْكُورَات، إِلا الْمَيْتَة مِنْهَا، وَالدَّم الْمَسْفُوح، وَلا يَرِد كَوْن لَحْم الْخِنْزِير ذُكِرَ مَعَهَا؛ لأَنَّهَا قُرِنَتْ بِهِ عِلَّة تَحْرِيمه، وَهُوَ كَوْنه رِجْسًا.
وَنَقَلَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن الشَّافِعِيّ، أَنَّهُ يَقُول بِخُصُوصِ السَّبَب، إِذَا وَرَدَ فِي مِثْل هَذِهِ الْقِصَّة؛ لأَنَّهُ لَمْ يَجْعَل الْآيَة حَاصِرَة لِمَا يَحْرُم مِنَ الْمَأْكُولَات، مَعَ وُرُود صِيغَة الْعُمُوم فِيهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي الْكُفَّار، الَّذِينَ يُحِلُّونَ الْمَيْتَة، وَالدَّم، وَلَحْم الْخِنْزِير، وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ، وَيُحَرِّمُونَ كَثِيرًا مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّرْع، فَكَأَنَّ الْغَرَض مِنَ الْآيَة إِبَانَة حَالهمْ، وَأَنَّهُمْ يُضَادُّونَ الْحَقّ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لا حَرَام إِلا مَا حَلَلْتُمُوهُ، مُبَالَغَة فِي الرَّدّ عَلَيْهِمْ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيّ عَن قَوْم: أَنَّ آيَة الْأَنْعَام الْمَذْكُورَة، نَزَلَتْ فِي حَجَّة الْوَدَاع، فَتَكُون نَاسِخَة، وَرُدَّ بِأَنَّهَا مَكِّيَّة، كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِير مِنَ الْعُلَمَاء، وَيُؤَيِّدهُ مَا تَقَدَّمَ قَبْلهَا مِنَ الآيَات، مِنَ الرَّدّ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب، فِي تَحْرِيمهمْ مَا حَرَّمُوهُ مِنَ الْأَنْعَام، وَتَخْصِيصهمْ بَعْض ذَلِكَ بِآلِهَتِهِمْ، إِلَى غَيْر ذَلِكَ، مِمَّا سَبَقَ للرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ كُلّه قَبْل الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة.
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ، فِي الْمُرَاد بِمَا لَهُ نَاب: فَقِيلَ: إِنَّهُ مَا يَتَقَوَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute