فأما ذو الناب من السباع، فذهب أكثر أهل العلم إلى تحريم كلّ ذي ناب قويّ من السباع، يعْدُو، ويَكسِر، إلا الضبع، منهم: مالك، والشافعيّ، وأبو ثور، وأصحاب الحديث، وأبو حنيفة، وأصحابه. وقال الشعبيّ، وسعيد بن جُبير، وبعض أصحاب مالك: هو مباح؛ لعموم قوله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية [الأنعام: ١٤٥]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} الآية [البقرة: ١٧٣].
واحتجّ الأولون بأحاديث أبي ثعلبة، وأبي هريرة، وابن عبّاس - رضي الله عنهم - المذكورة في الباب. قال الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله -: هذا حديث ثابتٌ، صحيح، مُجمع على صحّته، وهذا نصّ صريح يخُصّ عموم الآيات، فيدخل في هذا: الأسدُ، والنمرُ، والفهد، والذئب، والكلب، والخنزير، وقد رُوي عن الشعبيّ أنه سئل عن رجل يتداوى بلحم الكلب؟ فقال: لا شفاه الله. وهذا يدلّ على أنه رأى تحريمه. انتهى.
وأما ذو الْمِخْلب من الطيور، وهي التي تعلِّق بمخالبها الشيء، وتصيده بها، فذهب أكثر أهل العلم أيضًا إلى تحريمه، وبه قال الشافعيّ، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقال مالك، والليث، والأوزاعيّ، ويحيى بن سعيد: لا يحرم شيء من الطير، قال مالك: لم أر أحدًا من أهل العلم يَكره سباع الطير.
واحتجّوا بعموم الآيات المبيحة، وقول أبي الدرداء، وابن عبّاس - رضي الله عنهم -: ما سكت الله، فهو مما عفا عنه.
واحتجّ الأولون بحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - المذكور: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلّ ذي ناب من السباع، وكلّ ذي مِخلب من الطير، رواه مسلم. فهذا يخصّ عموم الآيات، ويُقدَّم على ما ذكروه، فيدخل في هذا كلّ ما له مِخلبٌ يعدو به، كالعُقاب، والبازي، والصقر، والشاهين، والباشق، والحدأة، والبومة، ونحوها (١).