للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يموت على ذلك، فلما قَلَبَ القضيةَ، استَحَقَّ أن لا يجد رائحة الجَنَّة. انتهى (١).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حرم الله عليه الجَنَّة" فيه التأويلان المتقدمان في نظائره:

[أحدهما]: أنه محمول على المستحلّ.

[والثاني]: حَرَّم عليه دخولَها مع الفائزين السابقين، ومعنى التحريم هنا: المنع. انتهى (٢).

وقال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الحديث، وما في معناه قد تقدّم معنى تحريم الجنّة، والتأويل في مثله، ومعناه بَيّن في التحذير مِن غَشّ المسلمين لمن قَلّده الله تعالى شيئًا من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونَصَبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم، فإذا خان فيما اؤتُمِن عليه، فلم يَنصَح فيما قَلَّده إما بتضييعه تعريفهم ما يَلْزَمهم من دينهم، وأَخْذهم به، في ما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم، والذّبّ عنها كلَّ مُتَصَدٍّ لإدخال داخلة فيها، أو تحريفٍ لمعانيها، أو إهمال حدودهم، أو تضييع حقوقهم، أو ترك حماية حَوْزَتهم، ومجاهدة عدُوّهم، أو تَرْكِ سِيرةِ العدل فيهم، فقد غَشَّهم.

قال: وقد نبّه - صلى الله عليه وسلم - على أن ذلك من كبائر الذنوب المُوبِقَة المبعدة عن الجَنَّة إذا دخلها السابقون، والمقرَّبون، إن أنفذ الله عليه وعيده الموجِبَ لعذابه بالنار، أو نحو ذلك، أو يُحْرَمُ الجنّةَ رأسًا، إن فَعَلَ ذلك مُستحِلًّا. انتهى كلام القاضي - رَحِمَهُ اللهُ - (٣).

وقال ابن بطّال - رَحِمَهُ اللهُ -: معنى "حَرَّم الله عليه الجَنَّة"؛ أي: أنفذ الله عليه الوعيد، ولم يُرْضِ عنه المظلومين، ونقل ابن التين عن الداوديّ نحوَه، قال: ويحتمل أن يكون هذا في حقّ الكافر؛ لأن المؤمن لا بُدّ له من نصيحة.

وتعقّبه الحافظ: فقال: هو احتمال بعيد جدًّا، والتعليل مردود، فالكافر أيضًا قد يكون ناصحًا فيما تولاه، ولا يمنعه ذلك الكفر، وقال غيره: يُحْمَل على المستحلّ، والأولى أنه محمول على غير المستحلّ، فَإنما أريد به الزجر


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥٦٩.
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ١٦٦.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ٥٦٠ - ٥٦١.