للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُحرَّم في الشريعة إلا ما ذَكره في حرم الآية، ثم بعد ذلك حرَّم أمورًا كثيرة؛ كالحمر الإنسية، والبغال، وغيرها، كما رواه الترمذيّ عن جابر - رضي الله عنه - قال: حرَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوم الحمر الأهلية، ولحوم البغال، وكلَّ ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطَّير، وذكر أبو داود عن جابر أيضًا قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل، والبغال، والحمير، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البغال، والحمير، ولم ينهنا عن الخيل.

قال القرطبيّ: والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، والله أعلم بحقائق الأمور. انتهى (١).

وقوله: (وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ)؛ أي: نهى عن أكله، و"الْمِخْلب" بكسر الميم، وسكون المعجمة، وفتح اللام، بعدها موحَّدة، قال أهل اللغة: المِخْلَب للطير، والسباع بمنزلة الظِّفر للإنسان، لكنه أشدّ منه، وأغلظ، وأَحَدّ، فهو له كالناب للسبع.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "وعن كل ذي مِخْلَب من الطير" هو معطوف على قوله: "عن كل ذي ناب من السِّباع"، وقد تقرَّر أن ذلك النهي محمولٌ على التحريم في السباع، فيلزم منه تحريم كل ذي مخلب من الطير؛ لأنَّ الواو تُشَرِّك بين المعطوف والمعطوف عليه في العامل ومعناه؛ لأنَّها جامعة، وقد صار إلى تحريم كل ذي مخلب من الطير طائفة؛ تمسُّكًا بهذا الظاهر، وممن قال بذلك: أبو حنيفة، والشافعيّ، وأمَّا مذهب مالك: فحَكَى عنه ابن أويس كراهة أكل كلِّ ذي مخلب من الطير، وجُلُّ أصحابه، ومشهور مذهبه: على إباحة ذلك؛ متمسكين بقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} الآية [الأنعام: ١٤٥] وقد تقدم الكلام عليها، والظاهر: التمسك بما قررناه من ذلك الحديث الظاهر؛ يعني: القول بتحريمها.

وتقييد الطير بـ "ذي المخلب" يقتضي: مَنْع أكل سباع الطير العادية،


(١) "المفهم" ٥/ ٢١٥ - ٢١٦.