للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إليه بتحريم كل ذي ناب من السباع، فوجب قبوله، والعمل به. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: ظاهر هذا النص: التحريم، وقد جاء نصًّا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -؛ إذ قال: "كلُّ ذي ناب من السباع فأكله حرام"، والناب: واحد الأنياب، وهي ما يلي الرَّبَاعِيَات من الأسنان، ذهب الجمهور من السَّلف وغيرهم إلى الأخذ بهذا الظاهر في تحريم السباع، وهو قول الشافعيّ، وأبي حنيفة، ومالك في أحد قوليه، وهو الذي صار إليه في "الموطأ"، وقال فيه: وهو الأمر عندنا، وروى عنه العراقيون الكراهة، وهو ظاهر "المدوَّنة"، وبه قال جمهور أصحابه.

[تنبيه]: هذا الخلاف إنما هو في السباع العادية المفترسة كالأسد، والنمر، والذئب، والكلب، وأما ما ليس كذلك فجُلُّ أقوال الناس فيه: الكراهة، وحيث صار أحدٌ من العلماء إلى تحريم شيء من هذا النوع، فإنما ذلك لأنه ظهر للقائل بالتحريم أنَّه عادٍ، وذلك كاختلافهم في الضَّبع، والثعلب، والهرِّ وشِبْهها، فرآها قوم من السباع فحكموا بتحريمها، وأجاز أكلها الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وهو قول علي، وجماعة من الصحابة، وكرهها مالك، حكى ذلك القاضي عياض.

[تنبيه آخر]: إنما عدل القائلون بالكراهة عن ظاهر التحريم المتقدّم؛ لأنَّهم اعتقدوا معارضة بينه وبين قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} الآية [الأنعام: ١٤٥]، ووجه ذلك أنهم حملوا قوله: {فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ}، على عموم وحي القرآن، والسُّنَّة، وقالوا: إن هذه الآية نزلت على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو واقف بعرفة في حجة الوداع، فهي متأخرة عن تلك الأحاديث، والحصر فيها ظاهر، فالأخذ بها أَولى؛ لأنها: إما ناسخة لِمَا تقدَّمها، أو راجحة على تلك الأحاديث، أما القائلون بالتحريم، فظهر لهم، وثبت عندهم أن سورة الأنعام مكِّيَّة، نزلت قبل الهجرة، وأن هذه الآية قُصِد بها الرد على الجاهلية في تحريمهم البَحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامي، ولم يكن في ذلك الوقت


(١) "شرح النوويّ" ١٣/ ٨٢ - ٨٣.