للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جهينة، ولهذا لم يقع في شيء من طرق الخبر أنهم قاتلوا أحدًا، بل فيه أنهم أقاموا نصف شهر، أو أكثر في مكان واحد، فالله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "بل لحفظهم من جهينة. . . إلخ" فيه نظر لا يخفى؛ لأن سياق القصّة إذا نظرت في رواياتها لا يتّفق مع هذا التأويل، بل الظاهر أن مهمة تلك السريّة مصادرة تجارة قريش، وأخْذُها منهم، لا أنهم خرجوا لِحفظهم، فتأمله بالإمعان، وبالله تعالى التوفيق.

(وَزَوَّدَنَا)؛ أي: أعطانا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - زادًا (جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ) "جراب" بكسر الجيم، وفتحها، والكسر أفصح، كذا قال النوويّ تبعًا لعياض، وقال الفيّوميّ: "الجراب": معروف، وجمعها جُرُبٌ، مثلُ كتاب وكُتُبٍ، وسُمع أَجْربةٌ أيضًا، ولا يقال: جَرَابٌ بالفتح، قاله ابن السّكّيت، وغيره. انتهى (٢).

وقال المجد - رحمه الله -: الْجِراب - يعني: بالكسر - ولا يُفتح، أو لغيّة، فيما حكاه عياض وغيره: الْمِزْوَد، أو الوعاء، جَمْعه: جُرُبٌ، وجُرْبٌ، وأجربةٌ. انتهى (٣).

وقوله: (لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ) جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، فكأن سائلًا سأله، فقال: لماذا زوّدكم التمر؟ قال: لأنه لم يجد غيره.

وفي رواية من هذا الحديث: "ونحن نَحْمِل أزوادنا على رقابنا"، وفي رواية: "ففنِيَ زادهم، فجَمَع أبو عبيدة زادهم في مزود، فكان يقوتنا، حتى كان يصيبنا كلَّ يوم تمرة"، وفي "الموطأ": "ففني زادهم، وكان مزودي تمر، وكان يقوتنا، حتى كان يصيبنا كلَّ يوم تمرة"، وفي الرواية الأخرى لمسلم: "كان يعطينا قَبْضةً قبضةً، ثم أعطانا تمرةً تمرةً".

قال القاضي عياض - رحمه الله -: الجمع بين هذه الروايات أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - زَوَّدهم المْزِوْدَ زائدًا على ما كان معهم من الزاد، من أموالهم، وغيرها، مما واساهم به الصحابة - رضي الله عنهم -، ولهذا قال: "ونحن نَحْمِل أزوادنا"، قال: ويَحْتَمِل أنه لم يكن في زادهم تمر غير هذا الجراب، وكان معهم غيره من الزاد، وأما


(١) "الفتح" ٩/ ٥٠٥، كتاب "المغازي" رقم (٤٣٦٠).
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٩٥.
(٣) "القاموس المحيط" ص ٢٠٤.