للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إعطاء أبي عبيدة إياهم تمرة تمرة، فإنما كان في الحال الثاني بعد أن فني زادهم، وطال لبثهم، كما فسّره في الرواية الأخيرة، فالرواية الأولى معناها الإخبار عن آخر الأمر، لا عن أوله، والظاهر أن قوله: "تمرةً تمرةً" إنما كان بعد أن قسم عليهم قَبْضةً قبضةً، فلما قَلّ تمرهم قسمه عليهم تمرةً تمرةً، ثم فَرَغ، وفقدوا التمرة، ووجدوا أَلَمًا لفقدها، وأكلوا الخبط إلى أن فتح الله عليهم بالعنبر، ذكره النوويّ (١).

وقال في "الفتح" عند قوله: "فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة" ما نصّه: ظاهر هذا السياق أنهم كان لهم زاد بطريق العموم، وأزواد بطريق الخصوص، فلما فني الذي بطريق العموم، اقتضى رأى أبي عبيدة أن يجمع الذي بطريق الخصوص؛ لِقَصْد المساواة بينهم في ذلك، ففعل، فكان جميعه مِزْودًا واحدًا.

قال: ووقع عند مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر: "بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمّر علينا أبا عبيدة، نتلقى عيرًا لقريش، وزوَّدنا جرابًا من تمر، لم يجد لنا غيره وكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة"، وظاهره مخالف لرواية الباب، ويمكن الجمع بأن الزاد العامّ كان قدر جراب، فلما نفِد، وجمع أبو عبيدة الزاد الخاصّ اتَّفق أنه أيضًا كان قدر جراب، ويكون كل من الراويين ذَكَر ما لم يذكره الآخر، وأما تفرقة ذلك تمرةً تمرةً، فكان في ثاني الحال.

قال: وأما قول عياض: يَحْتَمِل أنه لم يكن في أزوادهم تمر غير الجراب المذكور، فمردود؛ لأن حديث الباب صريح في أن الذي اجتمع من أزوادهم كان مزود تمر، ورواية أبي الزبير صريحة في أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - زوَّدهم جرابًا من تمر، فصحَّ أن التمر كان معهم من غير الجراب.

وأما قول غيره: يَحْتَمِل أن يكون تفرقته عليهم تمرةً تمرةً كان من الجراب النبوي قَصدًا لبركته، وكان يفرّق عليهم من الأزواد التي جُمعت أكثر من ذلك، فبعيد من ظاهر السياق، بل في رواية هشام بن عروة، عند ابن عبد البرّ: "فقَلّت أزوادنا حتى ما كان يصيب الرجل منا إلا تمرةٌ". انتهى (٢).


(١) "شرح النوويّ" ١٣/ ٨٥.
(٢) "الفتح" ٩/ ٥٠٥ - ٥٠٦، كتاب "الجهاد" رقم (٤٣٦٠).