للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "وزَوَّدنا جرابًا من تمر لم يجد لنا غيره " اختلفت ألفاظ الرواة في هذا المعنى؛ فمنها: ما ذكرناه. وفي رواية: "فكنا نحمل أزوادنا على رقابنا"، وفي أخرى: "ففني زادهم"، وفي "الموطأ": "فكان مزودي تمر"، وفي أخرى: "فكان يعطينا قبضةً قبضةً، ثم أعطانا تمرة تمرة"، وتلتئم شتات هذه الروايات بأن يقال: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - زادهم ذلك المزود، أو المِزْودين إلى ما كان عندهم من زادِ أنفسهم الذي كانوا يَحملونه على رقابهم، ثم إنهم لمّا اشتدّت بهم الحال جَمَع أبو عبيدة ما كان عندهم إلى المزود الذي زادهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فكان يُفرِّقُه عليهم قبضةً قبضةً، إلى أن أشرف على النَّفاد، فكان يعطيهم إيَّاه تمرة تمرة إلى أن فني ذلك.

قال: وَجَمْعُ أبي عبيدة الأزواد، وقِسمتها بالسَّويَّة، إما أن يكون حُكمًا حَكَم به لِمَا شاهد من ضرورة الحال، ولِمَا خاف مِن تَلَف مَن لم يكن معه زاد، فظهر له أنه قد وجب على من معه زادٌ أن يُحيي من ليس له شيء، أو يكون ذلك عن رضا من كان له زادٌ رغبةً في الثواب، وفيما قاله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الأشعريين من أنهم إذا قَلّ زادُهم جمعوه، فاقتسموه بينهم بالسَّويَّة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَهُم مني، وأنا منهم"، وقد فعل ذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غير مرَّة، ولذلك قال بعض العلماء: إنه سُنَّة. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

(فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ) - رضي الله عنه - (يُعْطِينَا) بضمّ حرف المضارعة، (تَمْرَةً تَمْرَةً)؛ أي: يُعطي كلّ واحد من الجيش تمرة واحدةً. (قَالَ) القائل هو أبو الزبير، وفي رواية البخاريّ من طريق وهب بن كيسان، عن جابر، قال: "فقلت: ما تغني عنكم تمرة؟ "، قال في "الفتح": هو صريح في أن السائل عن ذلك وهب بن كيسان، فيفسَّر به المبهم في رواية هشام بن عروة التي مَضَت في "الجهاد"، فإن فيها: "فقال رجل: يا أبا عبد الله - وهي كنية جابر - أين كانت تقع التمرة من الرجل؟ "، وعند مسلم من رواية أبي الزبير أنه أيضًا سئل عن ذلك، فقال: "لقد وجدنا فَقْدها حين فنيت"؛ أي: مؤثّرًا.


(١) "المفهم" ٥/ ٢١٨ - ٢١٩.