للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"فألقى لنا البحر حُوتًا مَيّتًا"، واستُدِلّ به على جواز أكل ميتة السمك (١)، وسيأتي البحث فيه مستوفًى في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى -.

(قَالَ) جابر - رضي الله عنه - (قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ) - رضي الله عنه - (مَيْتَةٌ) خبر لمحذوف؛ أي: هذه الدابّة ميتة، والميتة يحرم أكلها بنصّ الكتاب العامّ، قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} الآية [المائدة: ٣]، فلا تقربوها. (ثُمَّ) إنه أضرب عمّا وقع له من ذلك لَمّا تحقّق من الضرورة المبيحة له، ولذلك (قَالَ: لَا)؛ أي: لا يكون حرامًا علينا، (بَلْ نَحْنُ رُسُلُ) بضمّتين: جمع رسول، وهو مضاف إلى (رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَفِي سَبِيلِ اللهِ) وقد خرجنا لنجاهد لإعلاء كلمة الله، لا لغرض أنفسنا، من الحظوظ الدنيوية، (وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ)؛ أي: وقد وقعتم في الضرورة التي استثنى الله صاحبها من تحريم أكل الميتة، حيث قال في آخر الآية المذكورة: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (فَكُلُوا) قال القرطبيّ - رحمه الله -: وهذا يدلّ على جواز حمل العموم على ظاهره، والعمل به من غير بحث عن المخصِّصات، فإن أبا عبيدة - رضي الله عنه - حَكَم بتحريم ميتة البحر تمسُّكًا بعموم القرآن، ثم إنه استباحها بحكم الاضطرار، مع أن عموم القرآن في الميتة مخصَّصٌ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" (٢)، ولم يكن عنده خبر من هذا المخصِّص، ولا عند أحد من أصحابه. انتهى (٣).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قول أبي عبيدة: "ميتة. . . إلخ" وذكر في آخر الحديث أنهم تزودوا منه، وأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لهم حين رجعوا: "هل معكم من لحمه شيء، فتطعمونا؟ قال: فأرسلنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، فأكله.

معنى الحديث: أن أبا عبيدة - رضي الله عنه - قال أوّلًا باجتهاده: إن هذا ميتة، والميتة حرامٌ، فلا يحلّ لكم أكلها، ثم تغيَّر اجتهاده، فقال: بل هو حلال لكم، وإن كان ميتةً؛ لأنكم في سبيل الله، وقد اضطررتم، وقد أباح الله تعالى


(١) "الفتح" ٩/ ٥٠٧.
(٢) حديث صحيح، أخرجه: أحمد ٢/ ٢٣٧، وأبو داود (٨١)، والترمذيّ (٦٩)، والنسائيّ ١/ ١٧٦، وابن ماجه (٣٨٦).
(٣) "المفهم" ٥/ ٢٢٠.