للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الميتة لمن كان مضطرًّا، غير باغ، ولا عادٍ، فكلوا، فأكلوا منه، وأما طلب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من لحمه وأكْله ذلك، فإنما أراد به المبالغة في تطييب نفوسهم في حِلّه، وأن لا شك في إباحته، وأنه يرتضيه لنفسه، أو أنه قَصَد التبرك به؛ لكونه طُعْمةً من الله تعالى خارقةً للعادة، أكرمهم الله بها. انتهى (١).

(قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا) وفي الرواية التالية: "فأكلنا منها نصف شهر"، وفي رواية أخرى: "فأكل منها الجيش ثماني عشرة ليلة"، وكلّها في مسلم، قال الحافظ - رحمه الله -: ويُجْمَع بين هذا الاختلاف بأن الذي قال: "ثمان عشرة" ضبط ما لم يضبطه غيره، وأن من قال: "نصف شهر" ألغى الكسر الزائد، وهو ثلاثة أيام، ومن قال: شهرًا جَبَر الكسر، أو ضمَّ بقية المدّة التي كانت قبل وُجدانهم الحوت إليها، ورَجّح النوويّ رواية أبي الزبير لِمَا فيها من الزيادة، وقال ابن التين: إحدى الروايتين وَهَمٌ. انتهى.

ووقع في رواية الحاكم: "اثني عشر يومًا"، وهي شاذّة، وأشدّ منها شذوذًا رواية الخولانيّ: "فأقمنا قبلها ثلاثة"، ولعل الجمع الذي ذكرته أَولى. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (٢)، وهو جمع جيّد، والله تعالى أعلم.

وعبارة النوويّ - رحمه الله -: قوله في الرواية الأولى: "فأقمنا عليه شهرًا"، وفي الرواية الثانية: "فأكلنا منها نصف شهر"، وفي الثالثة: "فأكل منها الجيش ثماني عشرة ليلة" طريق الجمع بين الروايات أن مَن روى شهرًا هو الأصل، ومعه زيادة عِلم، ومن روى دونه لم ينف الزيادة، ولو نفاها قُدِّم المُثْبت، وقد قدّمنا مرات أن المشهور الصحيح عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له، فلا يلزم منه نفي الزيادة، لو لم يعارضه إثبات الزيادة، كيف وقد عارضه؟ فوجب قبول الزيادة.

وجَمَع القاضي عياض بينهما بأن من قال: نصف شهر أراد: أكلوا منه تلك المدة طريًّا، ومن قال: شهرًا أراد: قدّدوه، فأكلوا منه بقية الشهر قديدًا، والله أعلم. انتهى (٣).


(١) "شرح النوويّ" ١٣/ ٨٦.
(٢) "الفتح" ٩/ ٥٠٧ - ٥٠٨، كتاب "المغازي" رقم (٣٦٠).
(٣) "شرح النوويّ" ١٣/ ٨٨ - ٨٩.