للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ، حَتَّى سَمِنَّا) يفتح، فكسر، ثم نون، قال القرطبيّ: يعني تقوّينا، وزال ضَعفنا، كما قال في الرواية الأخرى: "حتى ثابت إلينا أجسامنا"؛ أي: رجعت إلينا قُوّتنا، وإلا فما كانوا سِمانًا قطّ. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا داعي لتأويل السِّمَن بما ذكره؛ لأن المراد بالسِّمن سِمَن نسبيّ بالنسبة لِمَا حصل لهم من الْهُزال بشدّة، لا السِّمن الذي يكون من كثرة الأكل، فإنه المذموم، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

وقوله أيضًا: "حَتى سَمِنَّا" قال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا دليل لمالك، ولمن يقول بقوله: على أن المضطرَّ يأكل من الميتة شِبَعه، ويتبسَّط في أكلها، فإنَّها قد أبيحت له، وارتفع تحريمها في تلك الحال، فاشبهت الذَّكيَّة، وخالفه في ذلك جماعة، منهم: الحسن، والنخعيّ، وقتادة، وابن حبيب، فقالوا: لا يأكل منها حتى يضطرَّ إليها ثانية، ولا يأكل منها إلا ما يُقيم رَمَقَه، وقال عبد الملك: إن تغدَّى حَرُمَت عليه يومه، وإن تعشى حرمت عليه ليلته، وهذا الذي قاله هؤلاء تعضده القاعدة المقرَّرة، وهي: أن كل ما أبيح لضرورة فيتقدَّر بقَدَرها، على أنَّه يمكن أن يقال في قضيَّة أبي عبيدة، وأكْلِهم من تلك الميتة شهرًا حتى سَمِنوا: إن ذلك القَدْر كان قَدْر ضرورتهم، وذلك أنهم كانوا قد أشرفوا على الهلاك من الجوع، والضعف، وسقطت قواهم، وهم مستقبلون سفرًا، وعَدُوًّا، فإن لم يفعلوا ذلك ضعفوا عن عدوّهم، وانقطعوا عن سفرهم، وهذا كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه عند الفتح: "تقوَّوا لعدوّكم، والفطر أقوى لكم" (٢). انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما قاله الإمام مالك من إطلاق الإباحة للمضطرّ حتى يجد المذكّى هو الأرجح؛ لظاهر هذه القصّة، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) جابر - رضي الله عنه - (وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا) جواب قَسَم مقدّر؛ أي: والله لقد رأيت


(١) "المفهم" ٥/ ٢٢١.
(٢) رواه مسلم بلفظ: "إنكم مصبحوا عدوّكم، والفطر أقوى لكم، فأفطِرُوا".
(٣) "المفهم" ٥/ ٢٢٠ - ٢٢١.