للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ووقع في آخر "صحيح مسلم"، من طريق عبادة بن الوليد، أن عبادة بن الصامت، قال: خرجت أنا وأبي، نطلب العلم، فذكر حديثًا طويلًا، وفي آخره: "وشكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجوع، فقال: "عسى الله أن يطعمكم"، فأتينا سِيف البحر، فزخر البحر زخرةً، فألقى دابة، فأورينا على شِقّها النار، فاطّبخنا، واشتوينا، وأكلنا، وشبعنا، قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان، حتى عدّ خمسة في حجاج عَيْنها، وما يرانا أحد، حتى خرجنا، وأخذنا ضلعًا من أضلاعها، فقوّسناه، ثم دعونا بأعظم رجل في الركب، وأعظم جمل في الركب، وأعظم كَفَل في الركب، فدخل تحته، ما يطأطأ رأسه"، وظاهر سياقه أن ذلك وقع لهم في غزوة، مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، لكن يمكن حمل قوله: "فأتينا سيف البحر" على أنه معطوف على شيء محذوف، تقديره: فبعثنا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأتينا. . . إلخ، فيتحد مع القصة التي في حديث الباب، قاله في "الفتح" (١).

(وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ)؛ أي: من لحم ذلك الحوت (وَشَائِقَ) جمع وَشِيق، أو وَشِيقة، بمعنى القديد، قال المجد - رحمه الله -: الْوَشِيقُ، والْوَشيقةُ: لحمٌ يُقدّد حتى يَيْبَسَ، أو يُغلى إغلاءةً، ثم يُقدّد، ويُحمل في الأسفار، وهو أبقى قديد، ووشقه يَشِقُه - أي: من باب وَعَدَ - قَدَّده. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "وَشَائقَ" هو بالشين المعجمة والقاف، قال أبو عبيد: هو اللحم يؤخذ، فيُغلى إعلاءً، ولا يُنضَج، ويُحْمَل في الأسفار، يقال: وَشَقت اللحمَ، فاتَّشق، والوشيقة الواحدة منه، والجمع وشائق، ووُشُق، وقيل: الوَشِيق: القَدِيد. انتهى (٣).

قال القرطبيّ - رحمه الله -: وهذا اللفظ يدلّ أيضًا على أنه يَتزوَّد من الميتة إذا خاف ألا يجد غيرها، فإن وجد غيرها، أو ارتجى وجوده لم يستصحبها، وهو قول مالك، وغيره من العلماء. انتهى (٤).

(فَلَمَّا قَدِمْنَا) بكسر الدال، (الْمَدِينَةَ) النبويّة (أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْنَا


(١) "الفتح" ٩/ ٥٠٨ - ٥٠٩.
(٢) "القاموس المحيط" ص ١٤٠٠.
(٣) "شرح النوويّ" ١٣/ ٨٧ - ٨٨.
(٤) "المفهم" ٥/ ٢٢٢.