للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَلِكَ لَهُ)؛ أي: ما وقع لهم من قصّة العنبر، وما قاله أبو عبيدة - رضي الله عنه - فيه، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("هُوَ رِزْق أَخْرَجَهُ اللهُ) من البحر (لَكُمْ)؛ أي: فهو حلال أكله، وهذا تذكير لهم بنعمة الله تعالى؛ ليشكروه عليها، (فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ، فَتُطْعِمُونَا؟ "، قَالَ) جابر (فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ)؛ أي: بعضه، فـ "من" بمعنى بعض، وفي رواية البخاريّ: "أطعِمونا إن كان معكم منه، فآتاه - بالمد أي: أعطاه - بعضهم، فأكله"، ووقع في رواية ابن السكن: "فأتاه بعضهم بعضو منه، فأكله"، قال عياض: وهو الوجه، وفي رواية أحمد من طريق ابن جريج التي أخرجها منه البخاريّ: "وكان معنا منه شيء، فأرسل به إليه بعض القوم، فأكل منه"، ووقع في رواية أبي حمزة، عن جابر، عند ابن أبي عاصم في "كتاب الأطعمة": "فلمّا قَدِموا ذَكَروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "لو نعلم أنا نُدركه لم يُرْوِح لأحببنا، لو كان عندنا منه قال الحافظ: وهذا لا يخالف رواية أبي الزبير؛ لأنه يُحْمَل على أنه قال ذلك ازديادًا منه بعد أن أحضروا له منه ما ذُكر، أو قال ذلك قبل أن يُحضروا له منه، وكان الذي أحضروه معهم لم يُرْوِح، فأكل منه، والله أعلم. انتهى (١).

(فَأَكَلَهُ) قال القرطبيّ - رحمه الله -: وأكْله - صلى الله عليه وسلم - منه ليبيِّن لهم بالفعل جواز أكل ميتة البحر في غير الضرورة، وأنها لم تدخل في عموم الميتة المحرَّمة في القرآن، كما قد بيَّن ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته".

وفي هذا للجمهور ردٌّ على من قال بمنع ما طفا من ميتات الماء، وهو: طاوس، وابن سيرين، وحماد بن زيد، وأصحاب الرأي - أبو حنيفة وأصحابه -. وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال: يُؤكل ما وُجد في حافتي البحر، وما جَزَرَ عنه، ولا يُؤكل ما طفا. ومثله رُوي عن ابن عباس، وكأنهما قصرا الإباحة على حديث أبي عبيدة المذكور. والصحيح: الإباحة في الجميع؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "الفتح" ٩/ ٥١٠.
(٢) "المفهم" ٥/ ٢٢٢ - ٢٢٣.