للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في بعض النسخ: "هَرِيقوها" بلا همزة في أوله، وأصله: أريقوها بالهمز، فأُبدلت هاء، قال الفيّوميّ - رحمه الله -: ورَاقَ الماءُ والدمُ، وغيره رَيْقًا، من باب باع: انصبّ، ويتعدى بالهمزة، فيقال: أَرَاقَهُ صاحبُهُ، والفاعل: مُرِيقٌ، والمفعول: مُرَاقٌ، وتُبدل الهمزة هاء، فيقال: هَرَاقَهُ، والأصل: هَرْيَقَهُ، وزانُ دَحْرَجَهُ، ولهذا تُفتح الهاء من المضارع، فيقال: يُهَريقه، كما تفتح الدال من يُدَحْرِجه، وتفتح من الفاعل، والمفعول أيضًا، فيقال: مُهَرِيقٌ، ومُهَرَاقٌ، والأمر: هَرِقْ ماءَكَ، والأصل: هَرْيِقْ، وزانُ دَحْرِج، وقد يُجْمَع بين الهاء والهمزة، فيقال: أَهْرَاقَهُ يُهْرِيقُهُ ساكن الهاء؛ تشبيهًا له بأسطاع يُسطيع، كأن الهمزة زيدت عوضًا عن حركة الياء في الأصل، ولهذا لا يصير الفعل بهذه الزيادة خماسيًّا. انتهى (١)، وقد تقدّم بأتمّ مما هنا في "كتاب الجهاد"، ولله الحمد والمنّة.

(وَاكْسِرُوهَا")؛ أي: اكسروا القدور التي تُطبخ فيها؛ لتنجّسها. (فَقَالَ رَجُلٌ) قيل: يَحْتَمِل أن يكون عمر - رضي الله عنه -، وقد أسلفت في "الجهاد" أنه لم يذكر مستنده، والله تعالى أعلم. (يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ نُهَرِيقُهَا)؛ أي: أوْ نترك كَسْرها، بل نهريق ما فيها من اللحم (وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَوْ ذَاكَ") مفعول لفعل مقدّر؛ أي: افعلوا ذاك؛ أي: الغسل.

وقال السنوسي - رحمه الله -: قوله: "أوْ ذاك" بسكون الواو، وقال الأبيّ - رحمه الله -: الأظهر أنه تخيير في أحد الأمرين (٢)؛ يعني: الكسر، أو الغسل.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله - صلى الله عليه وسلم - في القدور: "أهريقوها، واكسروها"، كان الأمر بكسر هذه القدور إنما صدر منه بناءً على أن هذه القدور لا يُنتفع بها مطلقًا، وأن الغسل لا يؤثّر فيها لِمَا يسري فيها من النجاسة، فلما قال له الرجل: "أو نهريقها، ونغسلها" فَهِم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها مِمَّا تَنْغَسل، فأباح له ذلك، فتبدَّل الحكم لتبَدُّل سببه، ولهذا في الشريعة نظائر، وهي تدل على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يحكم بالاجتهاد فيما لم يُوح إليه فيه شيء، وقد تقدم التنبيه على هذا في الحجِّ عند قول العباس: "إلا الإذخر"، وفيه دليلٌ: على أن إزالة


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٤٨.
(٢) راجع: "شرح الأبّيّ" ٥/ ٢٨٢.