للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بل أخرج الدارقطنيّ بسند قويّ عن ابن عباس، مرفوعًا مثل حديث جابر، ولفظه: "نَهَى رسول - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الحمر الأهلية، وأمر بلحوم الخيل".

وصح القول بالكراهة عن الحكم بن عيينة، ومالك، وبعض الحنفية، وعن بعض المالكية، والحنفية: التحريمُ، وقال الفاكهيّ: المشهور عند المالكية الكراهة، والصحيح عند المحققين منهم التحريم.

وقال أبو حنيفة في "الجامع الصغير": أكره لحم الخيل، فحمله أبو بكر الرازي على التنزيه، وقال: لم يُطلق أبو حنيفة فيه التحريم، وليس هو عنده كالحمار الأهليّ، وصحح عنه أصحاب "المحيط"، و"الهداية"، و"الذخيرة" التحريمَ، وهو قول أكثرهم، وعن بعضهم يأثم آكله، ولا يسمى حرامًا.

وروى ابن القاسم، وابن وهب عن مالك المنع، وأنه احتج بالآية الآتي ذكرها.

وأخرج محمد بن الحسن في "الآثار" عن أبي حنيفة بسند له عن ابن عباس نحو ذلك، وقال القرطبيّ في "شرح مسلم": مذهب مالك الكراهة، واستَدَلّ له ابن بطال بالآية، وقال ابن الْمُنَيِّر: الشبه الخلقي بينها وبين البغال والحمير مما يؤكد القول بالمنع، فمن ذلك هيئتها، وزهومة لحمها، وغلظه، وصفة أرواثها، وأنها لا تجترّ، قال: وإذا تأكد الشبه الْخَلْقيّ التحق بنفي الفارق، وبَعُدَ الشَّبَه بالأنعام المتفق على أكلها. انتهى.

وقد تقدم من كلام الطحاويّ ما يؤخذ منه الجواب عن هذا.

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: الدليل في الجواز مطلقًا واضح، لكن سبب كراهة مالك لِأَكْلها؛ لكونها تُستعمل غالبًا في الجهاد، فلو انتفت الكراهة لكثر استعماله، ولو كثر لأدى إلى قتلها، فيفضي إلى فنائها، فيئول إلى النقص من إرهاب العدوّ الذي وقع الأمر به في قوله تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}.

فعلى هذا فالكراهة لسبب خارج، وليس البحث فيه، فإن الحيوان المتفق على إباحته لو حدث أمر يقتضي أن لو ذُبح لأفضى إلى ارتكاب محذور لامتنع، ولا يلزم من ذلك القول بتحريمه، وكذا قوله: إن وقوع أكلها في الزمن النبويّ كان نادرًا، فإذا قيل بالكراهة قلّ استعماله، فيوافق ما وقع قبلُ. انتهى.