تعالى:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} الآية [النحل: ٨]، فقد تمسك بها أكثر القائلين بالتحريم، وقرروا ذلك بأوجه:
أحدها: أن اللام للتعليل، فدلّ على أنها لم تُخلق لغير ذلك؛ لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر، فإباحة أكلها تقتضي خلاف ظاهر الآية.
ثانيها: عطف البغال والحمير، فدلّ على اشتراكها معها في حكم التحريم، فيحتاج من أفرد حكمها عن حُكم ما عُطفت عليه إلى دليل.
ثالثها: أن الآية سيقت مساق الامتنان، فلو كانت يُنتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم؛ لأنه يتعلق به بقاء البُنْيَة بغير واسطة، والحكيم لا يمتن بأدنى النعم، ويترك أعلاها، ولا سيما وقد وقع الامتنان بالأكل في المذكورات قبلها.
رابعها: لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع به الامتنان، من الركوب، والزينة، هذا مُلَخَّص ما تمسكوا به من هذه الآية.
والجواب على سبيل الإجمال: أن آية النحل مكية اتفاقًا، والإذن في أكل الخيل كان بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين، فلو فَهِم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الآية المنع لَمَا أذن في الأكل.
وأيضًا فآية النحل ليست نصًّا في منع الأكل، والحديث صريح في جوازه.
وأيضًا على سبيل التنزل، فإنما يدل ما ذُكر على ترك الأكل، والترك أعم من أن يكون للتحريم، أو للتنزيه، أو خلاف الأَولى، وإذا لم يتعيّن واحد منها بقي التمسك بالأدلة المصرِّحة بالجواز.
وعلى سبيل التفصيل، أمّا أوّلًا فلو سلّمنا أن اللام للتعليل لم نسلّم إفادة الحصر في الركوب والزينة، فإنه يُنتفع بالخيل في غيرهما، وفي غير الأكل اتفاقًا، وإنما ذَكر الركوب والزينة؛ لكونهما أغلب ما تطلب له الخيل، ونظيره حديث البقرة المذكور في "الصحيحين" حين خاطبت راكبها، فقالت:"إنا لم نُخلق لهذا، إنما خُلقنا للحرث"، فإنه مع كونه أصرح في الحصر لم يُقصد به الأغلب، وإلا فهي تؤكل، ويُنتفع بها في أشياء غير الحرث اتفاقًا.