العربي: اعتَرَض بعض الناس على هذه اللفظة: "لم يكن بأرض قومي" بأن الضِّباب كثيرة بأرض الحجاز، قال ابن العربيّ: فإن كان أراد تكذيب الخبر فقد كَذَبَ هو، فإنه ليس بأرض الحجاز منها شيء، أو ذُكرت له بغير اسمها، أو حدثت بعد ذلك، وكذا أنكر ابن عبد البرّ، ومن تبعه أن يكون ببلاد الحجاز شيء من الضِّباب.
قال الحافظ: ولا يُحتاج إلى شيء من هذا، بل المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "بأرض قومي" قريشٌ فقط، فيختص النفي بمكة وما حولها، ولا يمنع ذلك أن تكون موجودة بسائر بلاد الحجاز، وقد وقع في رواية يزيد بن الأصم عند مسلم:"دعانا عروس بالمدينة، فقرّب إلينا ثلاثة عشر ضبًّا، فآكل، وتارك. . ." الحديث، فبهذا يدلّ على كثرة وجدانها بتلك الديار. انتهى (١).
(فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ) - بعين مهملة، وفاء خفيفة -؛ أي: أكره أكله، يقال: عاف الطعام، والشراب يعافه، من باب تَعِبَ عِيَافةً بالكسر: إذا كَرِهته، ووقع في رواية سعيد بن جبير: فتركهن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كالمتقذِّر لهنّ، ولو كُنّ حرامًا لَمَا أُكلن على مائدة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولَمَا أَمَر بأكلهنّ"، كذا أطلق الأمر، وكأنه تلقاه من الإذن المستفاد من التقرير، فإنه لم يقع في شيء من طرق حديث ابن عباس بصيغة الأمر، إلا في رواية يزيد بن الأصم الآتية، فإن فيها: "فقال لهم: كُلُوا، فأكل منه الفضل، وخالد، والمرأة"، وكذا في رواية الشعبيّ عن ابن عمر: "فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: كُلُوا، أو اطْعَمُوا، فإنه حلال، أو قال: لا بأس به، ولكنه ليس طعامي".
وفي هذا كله بيان سبب ترك النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنه بسبب أنه ما اعتاده، وقد ورد لذلك سبب آخر أخرجه مالك من مرسل سليمان بن يسار، فذكر معنى حديث ابن عباس، وفي آخره: "فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: كلا - يعني: لخالد وابن عباس - فإنني يحضرني من الله حاضرة"، قال المازريّ: يعني الملائكة، وكأن للحم الضب ريحًا، فترك أكْله لأجل ريحه، كما ترك أكل الثوم مع كونه حلالًا.