للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلا ما أُخذ حيًّا ثم مات، فإنّ أخْذَه ذكاته، وإليه ذهب سعيد بن المسيِّب، والجمهور؛ تمسُّكًا بظاهر حديث ابن أبي أوفى المتقدّم، وبما ذكره ابن المنذر: أن أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتهادين الجراد فيما بينهن، وبما ذكره الدارقطني عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أحل لنا ميتتان: الحوت والجراد، ودمان: الكبد والطحال"، على أنه لا يصحُّ (١) لأنه من رواية عبد الله، وعبد الرحمن ابني زيد بن أسلم، ولا يُحتج بحديثهما، ومن الجمهور من رأى: أنها من صيد البحر، وعلى هذا فيجوز للمُحرِم صيدها، من غير جزاء، ويجوز أكل ما صاد المجوسي منه، وإليه ذهب النَّخعيّ، والشافعيّ، والنعمان، وأبو ثور. فأما مالك والليث فرأيا: أن الجراد من حيوان البرّ فميتته محرَّمة؛ لأنَّها داخلة في عموم قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} الآية [المائدة: ٣]، ولم يصح عندهم: "أحلّت لنا ميتتان"، وقالا بموجب حديث ابن أبي أوفى، ولِمَا ذَكَره ابن المنذر بشرط الذكاة؛ إذ ليسا بنصَّين، وإذا كان كذلك فلا بُدَّ فيها من ذكاة إلا أن ذكاة كل شيء بحسب ما يتأتى فيه، فرأى مالك: أنه لا بدَّ من فعلٍ يُفعل فيها حتى تموت بسببه، ورأى اللَّيث: أنّ أخْذَها وتَرْكَها إلى أن تموت سببٌ يبيحها، ولم ير مالك ذلك لأنه لم يفعل فيها شيئًا، وقال أشهب: لا يؤكل الجراد إلا إذا قُطعت رؤوسه، أو يُطرح حيًّا في نار، أو ماء، فأما قَطْع أرجله، وأجنحته، فلا يكون ذلك ذكاة عنده؛ وإن مات بسببه، وعلى هذا: فلو سُلِقَ الحيُّ منه مع الميت فقال أشهب: يُطرح الجميع، وقال سحنون: يؤكل الأحياء، وتكون الموتى بمنزلة خشاش الأرض يموت في القِدْر.

قلت: وهذا من سحنون مَيْل إلى أنه من الحيوان الذي ليس له نفسٌ سائلةٌ، ويلزم على هذا ألا ينجس بالموت، ولا ينجس ما مات فيه، وحينئذ يجوز أكله ميتًا، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن من ذَكَر مذاهب الأئمة، وأدلّتهم أن ما ذهب إليه جمهور العلماء من جواز أكل الجراد مطلقًا هو الحقّ؛


(١) الحقّ أنه حديث صحيح، راجع: "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألبانيّ - رحمه الله - ٣/ ١١١.
(٢) "المفهم" ٥/ ٢٣٧ - ٢٣٨.