للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم أكل الجراد:

قال النوويّ - رحمه الله -: أجمع المسلمون على إباحة أكل الجراد، ثم قال الشافعيّ، وأبو حنيفة، وأحمد، والجماهير: يحلّ، سواءٌ مات بذكاة، أو باصطياد مسلم، أو مجوسيّ، أو مات حَتْفَ أنفه، سواء قطع بعضه، أو أُحدث فيه سبب، وقال مالك في المشهور عنه، وأحمد في رواية: لا يحل، إلا إذا مات بسبب، بأن يقطع بعضه، أو يُسْلَق (١)، أو يُلقى في النار حيًّا، أو يشوى، فإن مات حتف أنفه، أو في وعاء لم يحلّ، والله أعلم. انتهى (٢).

وقال ابن قُدمة - رحمه الله -: يباح أكل الجراد بإجماع أهل العلم، وقد قال عبد الله بن أبي أوفى: "غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد"، متّفقٌ عليه، ولا فرق بين أن يموت بسبب، أو بغير سبب في قول عامّة أهل العلم، منهم الشافعيّ، وأصحاب الحديث، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، وعن أحمد: أنه إذا قتله البَرْد لم يؤكل، وعنه: لا يؤكل إذا مات بغير سبب، وهو قول مالك، ويُرْوَى أيضًا عن سعيد بن المسيِّب.

قال: وحجة الأولين عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُحِلَّت لنا ميتتان، ودمان، فالميتتان: السمك، والجراد"، ولم يُفَصِّل، ولأنه تباح ميتته، فلم يعتبر له سبب، كالسمك، ولأنه لو افتقر إلى سبب لافتقر إلى ذَبْح، وذابح، وآلة، كبهيمة الأنعام. انتهى كلام ابن قدامة - رحمه الله - بتغيير يسير (٣).

وقال القرطبيّ - رحمه الله - في شرح قوله: "غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد" ما نصّه: ظاهره جواز أكل الجراد مطلقًا، ولم يُختلف في جواز أكل الجراد على الجملة، لكن اختُلف فيه؛ هل يحتاج إلى سبب يموت به أم لا يحتاج؟ فعامَّة الفقهاء على أنه لا يحتاج إلى ذلك، فيجوز أكل الميت منه، وإليه ذهب ابن عبد الحكم، ومطرِّف من أصحابنا - يعني: المالكيّة - وذهب مالك: إلى أنَّه لا بدَّ من سبب يموت به، كقَطْع رؤوسه، أو أرجله، أو أجنحته إذا مات من ذلك، أو يُشْوَى، أو يُسْلَق، وقال اللَّيث: يُكره أكل ميت الجراد


(١) يقال: سلقت الشاة، من باب قتل: نحّيت شعرها بالماء الحميم.
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ١٠٣ - ١٠٤.
(٣) "المغني" لابن قُدامة - رحمه الله - ٩/ ٣١٥.