الصلاة؛ لظاهر الخبر، فإن العمل بظاهر الخبر مهما أمكن هو الواجب، فأما غير أهل الأمصار والقرى، فأول وقتها في حقهم قدر الصلاة، والخطبة بعد الصلاة؛ إذا كانوا لا يُصلّون صلاة العيد، حيث كان مذهبهم عدم مشروعيّتها في حقّهم، فوجب الاعتبار بقدرها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في آخر وقت الأضحيّة:
ذهبت طائفة إلى أن آخره اليوم الثاني من أيام التشريق، فتكون أيام النحر ثلاثة: يوم العيد، ويومان بعده، وهذا قول عمر، وعليّ، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس - رضي الله عنهم -، قال أحمد: أيام النحر ثلاثة عن غير واحد، من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية قال: خمسةٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر أنسًا، وهو قول مالك، والثوريّ، وأبي حنيفة.
واحتجّ هؤلاء بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، نهى عن ادّخار الأضاحي فوق ثلاث، ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه، ولأن اليوم الرابع لا يجب الرمي فيه، فلم تجز التضحية فيه كالذي بعده، ولأنه قول من ذُكر من الصحابة، ولا مخالف لهم إلا رواية عن علي، وقد روي عنه ما يوافق الأولين.
وتُعقّب بأن النهي عن الادّخار فوق ثلاث؛ لا يستلزم النهي عن الذبح؛ لأن النهي إنما وَرَد لأجل أن يتصدّقوا باللحم على المحتاجين، وهذا لا يمنع الذبح، بل يقتضيه، ودعوى عدم مخالفة الصحابة للمذكورين غير صحيحة.
قال أبو محمد بن حزم - رحمه الله - بعد ذِكر احتجاجهم بما ذُكر من عدم المخالف لهؤلاء الصحابة - ما نصّه: قد ذكرنا قضايا عظيمة خالفوا فيها جماعة من الصحابة - رضي الله عنه -، لا يُعرف لهم مخالف، فكيف، ولا يصحّ شيء مما ذكرنا، إلا عن أنس وحده على ما بيّنّا قبلُ؟، وإن كان هذا إجماعًا، فقد خالف عطاء، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والزهريّ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار الإجماع، وأُفّ لكلّ إجماع يخرُج عنه هؤلاء، وقد روينا عن ابن عباس ما يدلّ على خلافه لهذا القول. انتهى كلام ابن حزم - رحمه الله - (١).