وذهبت طائفة إلى أن آخره آخر أيام التشريق، وإليه ذهب الشافعي، وبه قال عطاء، والحسن؛ لأنه روي عن جبير بن مطعم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"أيام منى كلها مَنْحَرٌ"؛ ولأنها أيام تكبير وإفطار، فكانت محلًا للنحر كالأوَّلَين.
وتُعقّب بأن الحديث إنما هو:"ومنى كلها منحر"، ليس فيه ذكر الأيام، والتكبير أعم من الذبح، وكذلك الإفطار، بدليل أول يوم النحر، ويوم عرفة يوم تكبير، ولا يجوز الذبح فيه.
وذهب ابن سيرين إلى أنه لا تجوز الأضحية إلا في يوم النحر خاصة؛ لأنها وظيفة عيد، فلا تجوز إلا في يوم واحد، كأداء الفطرة يوم الفطر، وبه قال سعيد بن جبير، وجابر بن زيد، في حقّ أهل الأمصار، وفي حقّ أهل منى كالقول الأول.
وذهب أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار إلى أنه تجوز التضحية إلى هلال مُحَرَّم، وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: كان الرجل من المسلمين، يشتري أضحية، فيُسَمّنها، حتى يكون آخر ذي الحجة، فيضحي بها، رواه الإمام أحمد، بإسناده، وقال: هذا الحديث عجيب، وقال: أيام الأضحى التي أجمع عليها ثلاثة أيام.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار، ورُوي عن عليّ - رضي الله عنه -، من جواز التضحية إلى هلال محرّم هو الأرجح؛ لقوّة أدلّته، فقد أخرجه ابن حزم في "المحلّى" من طريق يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم التيميّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسليمان بن يسار، قالا جميعًا: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"الأضحى إلى هلال المحرّم لمن أراد أن يستأني بذلك"، قال ابن حزم: هذا من أحسن المراسيل، وأصحّها، فيلزم الحنفيين، والمالكيين القول به، وإلا فقد تناقضوا. انتهى.
قال الجامع: وهذا المرسل يعضده ما أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه" من طريق أحمد بن حنبل، عن عباد بن العوّام، قال: أخبرني يحيى بن سعيد، وهو الأنصاريّ، قال: سمعت أبا أمامة بن سهل، قال:"كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحيّة، فيُسمّنها، ويذبحها في آخر ذي الحجة".