فهذا أثر صحيح، وقد علّقه البخاريّ في "صحيحه" بصيغة الجزم، وأبو أُمامة، من كبار التابعين، وله رؤية، قد أخبر بأن ذلك كان فعل المسلمين، فصحّ الاحتجاج بالمرسل المذكور؛ لاعتضاده، عند من لا يحتجّ به إلا إذا اعتَضَدَ.
والحاصل أن الحقّ جواز التضحية إلى آخر ذي الحجة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في زمن ذبح الأضحية:
ذهبت طائفة إلى أنه النهار، دون الليل، قال ابن قُدامة: نصَّ عليه أحمد، في رواية الأثرم، وهو قول مالك، وروي عن عطاء ما يدل عليه. قال: وحكي عن أحمد رواية أخرى، أن الذبح يجوز ليلًا، وهو اختيار أصحابنا المتأخرين، وقول الشافعيّ، وإسحاق، وأبي حنيفة، وأصحابه؛ لأن الليل زمن يصح فيه الرمي، فأشبه النهار.
ووجه الأول قولُ الله تعالى:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} الآية [الحج: ٢٨]، وروي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أنه نهى عن الذبح بالليل، ولأنه ليلُ يومٍ يجوز الذبح فيه، فأشبه ليلة يوم النحر، ولأن الليل تتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب، فلا يفرَّق طَرِيًّا، فيفوت بعض المقصود، ولهذا قالوا: يُكره الذبح فيه، فعلى هذا إن ذبح ليلًا لم يجزئه عن الواجب، وإن كان تطوعًا، فذَبَحها كانت شاة لحم، ولم تكن أضحية، فإن فرّقها حصلت القربة بتفريقها دون ذبحها. انتهى كلام ابن قُدامة - رحمه الله - بتصرّف (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول بجواز الذبح ليلًا هو الأرجح؛ لأنه ليس هناك نصّ يمنع من ذلك؛ والآية ليس فيها التعرّض للنهي عن ذلك أصلًا، وما ذكروه من الحديث غير ثابت، فقد أخرجه الطبرانيّ في "المعجم الكبير"، وفيه سليمان بن سلمة الْخَبَائريّ، وهو متروك، كما قاله