فدفعها إلى غير مستحقها، والحديث يُحمل على أحد أمرين: إما على الندب، وإما على التخصيص بمن وجبت عليه، بدليل ما ذكرنا، فأما الشاة المذبوحة فهي شاة لحم، كما وصفها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومعناه: يصنع بها ما شاء، كشاةٍ ذبحها للحمها، لا لغير ذلك، فإن هذه إن كانت واجبة، فقد لزمه إبدالها، وذَبْح ما يقوم مقامها، فخرجت هذه عن كونها واجبة، كالهدي الواجب، إذا عَطِب دون محله، وإن كان تطوعًا، فقد أخرجها بذبحه إياها قبل محلها عن القربة، فبقيت مجرد شاة لحم.
ويَحْتَمِل أن يكون حكمها حكم الأضحية، كالهدي إذا عَطِب، لا يخرج عن حكم الهدي على رواية، ويكون معنى قوله:"شاة لحم"؛ أي: في فضلها، وثوابها خاصة، دون ما يصنع بها. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الأول عندي هو الأظهر، والله تعالى أعلم.
٦ - (ومنها): أنه استُدلّ بقوله: "اذبح مكانها أخرى"، وفي لفظ:"أَعِد نسكًا"، وفي لفظ:"ضَحِّ بها"، وغير ذلك من الألفاظ المصرحة بالأمر بالأضحية، على وجوب الأضحية، قال القرطبي في "المفهم": ولا حجة في شيء من ذلك، وإنما المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية، لمن أراد أن يفعلها، أو من أوقعها على غير الوجه المشروع خطأً، أو جهلًا، فبَيَّن له وجه تدارك ما فرّط منه، وهذا معنى قوله:"لا تجزي عن أحد بعدك"؛ أي: لا يحصل له مقصود القربة، ولا الثواب، كما يقال في صلاة النفل: لا تجزي إلا بطهارة، وستر عورة، قال: وقد استدل بعضهم للوجوب بأن الأضحية من شريعة إبراهيم الخليل - عليه السلام -، وقد أُمرنا باتباعه، ولا حجة فيه؛ لأنا نقول بموجبه، ويُلزمهم الدليل على أنها كانت في شريعة إبراهيم واجبة، ولا سبيل إلى علم ذلك، ولا دلالة في قصة الذبيح للخصوصية التي فيها، والله أعلم.
٧ - (ومنها): أنَّ فيه أن الإمام يُعلّم الناس في خطبة العيد أحكام النحر.
٨ - (ومنها): أن فيه جوازَ الاكتفاء في الأضحية بالشاة الواحدة، عن الرجل وعن أهل بيته، وبه قال الجمهور، وعن أبي حنيفة، والثوريّ: يكره، وقال الخطابيّ: لا يجوز أن يضحى بشاة واحدة عن اثنين، وادَّعَى نسخ ما دلّ