وألزم للقلب، بخلاف العكس، ولذلك ذمّ الله تعالى الأعراب حيث قال:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الآية [الحجرات: ١٤]، فالامتثال الظاهريّ إذا لَمْ يسبقه الاعتقاد الباطنيّ لَمْ يُعتبر.
٣ - (ومنها): أن فيه عَلَمًا من أعلام النبوّة، حيث أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - برفع الأمانة، فوقع كما أخبر به.
٤ - (ومنها): سرعة تقلّب القلوب بسبب كثرة وقوع الفتن، حيث إن الرجل ينام، فيقوم، فلا يجد قلبه على حاله قبل النوم، بل يتغيّر - سبحان من يقلّب القلوب والأبصار. ولهذا كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُكثر من الدعاء بثبات قلبه على الإيمان، فقد أخرج الترمذيّ بسند صحيح، عن أنس - رضي الله عنه -، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكثر أن يقول:"يا مقلّب القلوب، ثَبّتْ قلبي على دينك"، فقلت: يا رسول الله، آمَنّا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال:"نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يُقَلِّبها كيف يشاء".
٥ - (ومنها): بيان فضل قرن الصحابة - رضي الله عنهم - على من بعدهم، حيث كانت الأمانة كاملة فيهم.
٦ - (ومنها): استعمال التشبيه في التعليم؛ لزيادة الإيضاح.
٧ - (ومنها): بيان أن فضل الإنسان في كمال أمانته، لا في كمال قوّته، وشجاعته، وحسن تدبيره في الأمور الدنيويّة، فإن هذه لا اعتبار لها إلَّا مع قوّة الإيمان وكماله.
٨ - (ومنها): أن حسن الوفاء بالعهد، وحسن التعامل مع الناس يدلّ على كون الإنسان أمينًا، وأن الخيانة تنافي الإيمان؛ لأنَّها من صفات المنافق، كما سبق حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَلّةٌ منهن، كانت فيه خُلَّة من نفاق، حتى يَدَعَها، إذا حَدّث كَذَب، وإذا عاهد غدر، وإذا وَعَد أخلف، وإذا خاصم فجر"، متَّفقٌ عليه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.