للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النفي إثبات، ولا قائل بوجوب التطوع، فيتعين أن يكون المراد إلَّا أن تشرع في تطوع، فيلزمك إتمامه. وتعقّبه الطيبيّ بأن ما تمسك به مغالطة؛ لأن الاستثناء هنا من غير الجنس، لأن التطوع لا يقال فيه: عليك، فكأنه قال: لا يجب عليك شيء، إلَّا إن أردت أن تطوع فذلك لك، وقد عُلِمَ أن التطوع ليس بواجب، فلا يجب شيء آخر أصلًا، كذا قال.

وحرف المسألة دائر على الاستثناء، فمن قال: إنه متصل تمسك بالأصل، ومن قال: إنه منقطع احتاج إلى دليل، والدليل عليه ما رَوَى النسائيّ وغيره: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان أحيانًا ينوي صوم التطوع ثم يفطر، وفي البخاري أنه أمر جويرية بنت الحارث أن تُفطر يوم الجمعة بعد أن شَرَعَت فيه، فدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام، إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم، وبالقياس في الباقي.

[فإن قيل]: يَرِدُ الحجّ، قلنا: لا؛ لأنه امتاز عن غيره بلزوم المضيّ في فاسده، فكيف في صحيحه، وكذلك امتاز بلزوم الكفارة في نفله، كفرضه، والله تعالى أعلم.

قال الجامع: قوله: امتاز بلزوم المضيّ في فاسده فيه نظر؛ لأنه لا دليل على هذا، فتبصّر. والله تعالى أعلم.

قال: على أن في استدلال الحنفية نظرًا؛ لأنهم لا يقولون بفرضية الإتمام، بل بوجوبه، واستثناء الواجب من الفرض منقطع، لتباينهما، وأيضًا فإن الاستثناء من النفي عندهم ليس للإثبات، بل مسكوت عنه. انتهى كلام صاحب "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يترجّح عندي أن من شَرَعَ في نفل الصلاة يلزمه إتمامه؛ لقول الله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣]، وأما إذا أفسده، فليس عليه القضاء، لعدم دليل يدلّ على ذلك، وأما من شَرَع في نفل الصوم فله الفطر، لما تقدّم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينوي صومًا، ثم يُفطر، ولحديث الجويرية - رضي الله عنهما - المتقدّم، ولا يجب عليه القضاء، لما رواه البخاريّ من حديث


(١) "الفتح" ١/ ١٣٢.