أبي جُحيفة - رضي الله عنه - قال:"آخى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وبين أبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مُتَبَذِّلةً، فقال لها: ما شأنك؟ قال: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعامًا، فقال: كلّ، فإني صائم، فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل … الحديث، فقد استحسن - صلى الله عليه وسلم - فعل سلمان، ولم يُلزم أبا الدرداء بالقضاء.
وأما الأحاديث التي تدلّ على أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالقضاء يومًا مكانه فكلّها ضعيفة، لا تقوم بها الحجة.
والحاصل أن الصلاة يلزم إتمامها بالشروع للآية السابقة، ولا يلزم قضاؤها بالإفساد؛ لعدم الدليل، وأما الصوم وإن كانت الآية تشمله إلَّا أن الأدلّة خصَّصته، كالأحاديث السابقة، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الصائم المتطوّع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر"، وهو حديث صحيح (١) فلا يلزم إتمامه، ولا قضاؤه.
وأما قياس الصلاة عليه في هذا التخصيص، كما قاله الحافظ، فغير واضح، فتأمل.
وأما ما قاله الحافظ ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ - من أن من احتجّ بهذه الآية على منع إبطال النوافل بعد الشروع، فهو جاهل بأقوال أهل العلم، فإن الأكثرين على أن المراد بذلك النهي عن الرياء، وقال آخرون: لا تبطلوا بارتكاب الكبائر، ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال ما لم يَفْرِضْهُ اللهُ عليه، ولا أوجبه على نفسه بنذر أو غير، لامتنع عليه الإفطار إلَّا بما يُبيح الفطر من الصوم الواجب، وهم لا يقولون بذلك. انتهى.
فمردود بكون العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما قاله الشوكانِيّ رحمه الله تعالى، وبأن ما ذكروه من الصوم إنما جاز الفطر فيه - وإن كانت الآية تشمله - للنصوص الواردة بذلك. والله تعالى أعلم بالصواب.
(١) حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده"، والحاكم من حديث أم هانئ - رضي الله عنهما -. انظر: "صحيح الجامع" للشيخ الألبانيّ ٢/ ٧١٧ رقم (٣٨٥٤).