[تنبيه]: تعقّب العينيّ ما استدلّ به صاحب "الفتح" من الحديثين المذكورين، فقال: قلت: من العجب أنه لم يَذكُر الأحاديث الدالّة على إلزام الشروع في العبادة بالإتمام، وعلى القضاء بالإفساد.
وقد روى أحمد في "مسنده" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين، فأُهديت لنا شاة، فأكلنا منها، فدخل علينا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبرناه، فقال:"صوما يومًا مكانه"، وفي لفظ آخر:"أمر بالقضاء"، والأمر للوجوب، فدلّ على أن الشروع مُلزم، وأن القضاء بالإفساد واجب.
وروى الدارقطنيّ عن أم سلمة أنَّها صامت يومًا تطوّعًا، فأفطرت، فأمرها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن تقضي يومًا مكانه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تَعَقُّب العيني على صاحب "الفتح" مجرّد تعصّب، لأن الحديثين اللذين احتجّ بهما ضعيفان (١)، ولا يقاومان الحديثين اللذين احتجّ بهما هو، فإنهما صحيحان، لكن التعصّب يُعمي ويصمّ، وعلى تقدير صحة ما احتجّ به يُحْمَل على الاستحباب، جمعًا بين الأدلّة، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، فإنه حجة البليد، ومعتمد العنيد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وسيأتي تمام البحث في هذا في موضعه - إن شاء الله تعالى -. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبسندنا المتّصل إلى المؤلّف رحمه الله تعالى أول الكتاب قال:
[١٠٩]( … ) - (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ جَمِيعًا، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيه، عَن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا الْحَدِيث، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفلَحَ وَأَبِيه، إِنْ صَدَقَ"، أَوْ "دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيه، إِنْ صَدَقَ").
(١) لقد أجاد الكلام في هذين الحديثين وأمثالهما مما استدل به الموجبون للقضاء ابن الجوزيّ، وابن عبد الهادي رحمهما الله تعالى في "التحقيق"، و"تنقيح التحقيق"، فراجعه تستفد ٥/ ٢١٢ - ٢٢٠.