للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقع في حديث آخر ما يدلّ لذلك، يشير إلى ما أخرجه أبو داود من طريق عاصم بن كليب، عن أبيه، وله صحبة، عن رجل من الأنصار، قال: أصاب الناس مجاعة شديدة، وجَهْد، فأصابوا غنمًا، فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي بها إذ جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فرسه، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يُرَمّل اللحم بالتراب، ثم قال: "إن النهبة ليست بأحلّ من الميتة". انتهى.

وهذا يدلّ على أنه عامَلَهم من أجل استعجالهم بنقيض قصدهم، كما عومل القاتل بمنع الميراث.

وأما الثاني: فقال النوويّ: المأمور به من إراقة القدور إنما هو إتلاف المرق عقوبةً لهم، وأما اللحم فلم يتلفوه، بل يُحْمَل على أنه جُمِع ورُدّ إلى المغنم، ولا يُظَنّ أنه أَمَر بإتلافه، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن إضاعة المال، وهذا من مال الغانمين، وأيضًا فالجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة، فإن منهم من لم يطبخ، ومنهم المستحقون للخمس.

[فإن قيل]: لم يُنقل إنهم حملوا اللحم إلى المغنم.

[قلنا]: ولم يُنقل إنهم أحرقوه، أو أتلفوه، فيجب تأويله على وفق القواعد. انتهى.

قال الحافظ: وَيرِد عليه حديث أبي داود، فإنه جَيّد الإسناد، وترك تسمية الصحابيّ لا يضرّ، ورجال الإسناد على شرط مسلم، ولا يقال: لا يلزم من تتريب اللحم إتلافه؛ لإمكان تداركه بالغسل؛ لأن السياق يُشعر بأنه أريد المبالغة في الزجر عن ذلك الفعل، فلو كان بصدد أن يُنتفع به بعد ذلك لم يكن فيه كبير زجر؛ لأن الذي يَخُصّ الواحد منهم نزر يسير، فكان إفسادها عليهم مع تعلّق قلوبهم بها، وحاجتهم إليها، وشهوتهم لها، أبلغ في الزجر.

وأبعد المهلَّب، فقال: إنما عاقبهم لأنهم استعجلوا، وتركوه في آخر القوم متعرضًا لمن يقصده من عدوّ ونحوه.

وتُعُقِّب بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان مختارًا لذلك، كما تقدم تقريره، ولا معنى للحمل على الظنّ مع ورود النصّ بالسبب.

وقال الإسماعيليّ: أمْره - صلى الله عليه وسلم - بإكفاء القدور يجوز أن يكون من أجل أن ذَبْح من لا يملك الشيء كله، لا يكون مُذَكِّيًا ويجوز أن يكون من أجل إنهم