[فإن قلت]: كيف اختار المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ - رواية أبي خالد الأحمر، وأحال غيرها عليها، مع أن غيره أحفظ منه؟.
[قلت]: لعله اختارها لكونها مسموعة له، أو نحو ذلك، والله تعالى أعلم.
(عَنْ حُذَيْفْةَ) بن اليمان - رضي الله عنهما -، أنه (قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ) بن الخطّاب - رضي الله عنه -، وفي رواية مروان بن معاوية التالية:"لَمّا قَدِم حُذيفة من عند عمر، جلس، فحدّثنا، فقال: إن أمير المؤمنين أمسِ لَمّا جلس سأل أصحابه، أيّكم يحفظ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتن … "، وفي رواية نُعيم بن أبي هند، الآتية:"أن عمر قال: من يُحدّثنا؟ أو قال: أيّكم يحدّثنا؟ وفيهم حُذيفة … إلخ".
(فَقَالَ) أي: عمر - رضي الله عنه - (أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)، وفي الرواية الآتية في "الفتن" من طريق الأعمش، عن شقيق، عن حُذيفة قال:"كنا عند عمر، فقال: أيّكم يحفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة كما قال؟ "(يَذْكُرُ الْفِتَنَ؟) - بكسر، ففتح -: جمع فتنة، قال أهل اللغة: أصل الفتنة في كلام العرب الابتلاء، والامتحان، والاختبار، قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: ثم صارت في عرف الكلام لكل أمر كَشَفَه الاختبارُ عن سوء، قال أبو زيد: فُتِن الرجلُ يُفْتَن فُتُونًا: إذا وَقَع في الفتنة، وتَحَوّل من حال حسنة إلى سيئة.
(فَقَالَ قَوْمٌ) هكذا في هذه الرواية، وفي الرواية الآتية في "الفتن" المذكورة: "قال: أنا، قال: إنك لجريء، وكيف قال؟ … "، ولفظ البخاريّ:"أنا أحفظ كما قال، قال: هاتِ إنك لجريء".
ويمكن الجمع بأنه شارك بعض الناس حذيفة في كونه سمعه منه - صلى الله عليه وسلم -، ولكن حذيفة - رضي الله عنه - تولّى الجواب، والله تعالى أعلم.
(نَحْنُ سَمِعْنَاهُ) - صلى الله عليه وسلم - يذكر الفتنة (فَقَالَ) عمر - رضي الله عنه -، وظاهر هذه الرواية أن عمر - رضي الله عنه - سمع هذا من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "، كما سمعه حُذيفة - رضي الله عنه - (لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ) أي: تقصدون بالفتنة التي سمعتموها منه - صلى الله عليه وسلم - "(فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ) ولفظ رواية الأعمش المذكورة: "فتنة الرجل في أهله، وماله، ونفسه، وولده، وجاره، يكفّرها الصيام، والصلاة … ".
قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الأهل، والمال، والولد أمورٌ يُمتَحَن الإنسان بها،