للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديث في الأمر بالأكل، مع قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا}، وحَمَل الجمهور هذا الأمر على الندب، أو الإباحة، لا سيّما وقد ورد بعد الحظر، فقد قال جماعة من أصحابنا: إنه في هذه الحالة للإباحة، والجمهور على أنه للوجوب، كما لو ورد ابتداء، وبوجوب الأكل، ولو لُقمة قاله ابن حزم الظاهريّ.

وأما الصدقة منها، فالصحيح عند الشافعيّة، والحنابلة بما يقع عليها الاسم، ويستحبّ أن يتصدّق بمعظمها، ويُهدي الثلث، وللشافعيّ قول إنه يأكل النصف، ويتصدّق بالنصف، وهذا الخلاف في قدر أوفى الكمال في الاستحباب، وأما الإجزاء فتجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم، وذهب بعضهم إلى أنه لا تجب الصدقة بشيء منها، وهو مذهب المالكيّة، قال ابن عبد البرّ: وعلى هذا جماعة العلماء، إلا أنهم يكرهون أن لا يتصدّق منها بشيء. انتهى.

وقالت الحنفيّة: يستحبّ أن يتصدّق بالثلث، ويأكل الثلث، ويدّخر الثلث.

قال وليّ الدين رحمه اللهُ: وأما الادّخار فالأمر به للإباحة بلا شكّ. انتهى.

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه اللهُ في قوله: "فكلوا، وادّخروا، وتصدّقوا": هذه أوامر وردت بعد الحظر، فهل تقَدُّمه عليها يُخرجها عن أصلها من الوجوب عند من يراه، أو لا يُخرجها؟ اختلف الأصوليون فيه على قولين. قال: والظاهر من هذه الأوامر هنا إطلاق ما كان ممنوعًا، بدليل اقتران الادّخار مع الأكل، والصدقة، ولا سبيل إلى حمل الادّخار على الوجوب بوجهٍ، فلا يجب الأكل، ولا الصدقة من هذا اللفظ، وجمهور العلماء على أن الأكل من الأضحيّة ليس بواجب، وقد شذّت طائفة، فأوجبت الأكل منها؛ تمسّكًا بظاهر الأمر هنا، وفي قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: ٢٨]، ووقع لمالك في كتاب ابن حبيب أن ذلك على الندب، وأنه إن لم يأكل مخطئ، وقال أيضًا: لو أراد أن يتصدّق بلحم أضحيته كلِّه كان له، كأكله كلّه حتى يفعل الأمرين.

وقال الطبريّ: جميع أئمة الأمصار على جواز أن لا يأكل منها، إن شاء، ويَطعم جميعها، وهو قول محمد بن الموّاز. انتهى كلام القرطبيّ رحمه اللهُ (١).


(١) "المفهم" ٥/ ٣٧٩ - ٣٨١.