للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقول: إن النسخ لا يكون إلا بالأثقل للأخف، وعَكَسه ابن العربي زعمًا أن الإذن في الادخار نَسخ بالنهي.

وتُعُقّب بأن الادّخار كان مباحًا بالبراءة الأصلية، فالنهي عنه ليس نسخًا، وعلى تقدير أن يكون نسخًا، ففيه نسخ الكتاب بالسُّنَّة؛ لأن في الكتاب الإذن في أكلها، من غير تقييد؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: ٢٨].

ويمكن أن يقال: إنه تخصيص، لا نسخ، وهو الأظهر. انتهى ما قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي استظهره الحافظ من كون هذا النهي ليس بنسخ، وإنما هو من باب التخصيص، هو الحقّ، كما سبق بيانه في كلام القرطبيّ رحمه الله، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

٤ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله: وفي هذا الحديث أبواب من أصول الفقه، وهو أن الشرع يُراعي المصالح، ويحكم لأجلها، ويسكت عن التعليل، ولَمّا تصفّح العلماء ما وقع في الشريعة من هذا وجدوه كثيرًا، بحيث حصل لهم منه أصل كلّيّ، وهو أن الشارع مهما حكم، فإنما يحكم لمصلحة، ثم قد يجدون في كلام الشارع ما يدلّ عليها، وقد لا يجدون، فيسبُرُون أوصاف المحلّ الذي يحكم فيه الشرع حتى يتبيّن لهم الوصف الذي يمكن أن يعتبره الشرع بالمناسبة، أو لصلاحيته لها، فيقولون: الشرع يحكم بالمصلحة، والمصلحة لا تعدو أوصاف المحلّ، وليس في أوصافه ما يصلح للاعتبار إلا هذا، فتعيّن. انتهى كلام القرطبيّ رحمه اللهُ (٢)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الأكل من الأضحية: ذهب جمهور العلماء إلى أنه مستحبّ، قال النوويّ رحمه الله: هذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافّةً، إلا ما حُكي عن بعض السلف أنه أوجب الأكل منها، وهو قول أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا، حكاه عنه الماورديّ؛ لظاهر هذا


(١) "الفتح" ١٢/ ٥٨٥ - ٥٨٦، كتاب "الأضاحي" رقم (٥٥٧٠).
(٢) "المفهم" ٥/ ٣٧٩.