المذكورة، والأحاديث القاضية بالمنع من الفرَع والعَتيرة، فقيل: إنه يُجمع بينها بحمل أحاديث الجواز على الندب، وحمل أحاديث المنع على عدم الوجوب، ذكر ذلك جماعة، منهم: الشافعيّ، والبيهقيّ، وغيرهما، فيكون المراد بقوله:"لا فرَع، ولا عَتِيرة"؛ أي: لا فرَع واجب، ولا عَتِيرة واجبةٌ، وهذا لا بدّ منه، مع عدم العلم بالتاريخ؛ لأن المصير إلى الترجيح مع إمكان الجمع لا يجوز، كما تقرّر في موضعه.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن أحاديث الجواز منسوخة بأحاديث المنع، وادّعى القاضي عياضٌ أن جماهير العلماء على ذلك، ولكنّه لا يجوز الجزم به إلا بعد ثبوت أنها متأخرة، ولم يثبت.
وقال أيضًا عند شرح حديث:"لا فرَع، ولا عتيرة" ما حاصله: وقد استدلّ بهذا من قال: إن الفرع والعتيرة منسوخان، وقد عرفت أن النَّسخ لا يتمّ إلا بعد معرفة تأخّر تاريخ ما قيل: إنه ناسخٌ، فأعدل الأقوال الجمع بين الأحاديث بما سلف، ولا يعكُر على ذلك رواية النهي؛ لأن معنى النهي الحقيقيّ، وإن كان هو التحريم، لكن إذا وُجدت قرينة أخرجته عن ذلك.
ويمكن أن يُجعل النهي موجّهًا إلى ما كانوا يذبحونه لأصنامهم، فيكون على حقيقته، ويكون غير متناول لِمَا ذُبح من الفرع، والعتيرة لغير ذلك، مما فيه وجه قربة.
وقد قيل: إن المراد بالنفي المذكور نفي مساواتهما للأضحية في الثواب، أو تأكّد الاستحباب. وقد استدلّ الشافعيّ بما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"اذبحوا لله في أيّ شهر كان" على مشروعيّة الذبح في كلّ شهر إن أمكن، قال في "سنن حرملة": إنها إن تيسّرت كلّ شهر كان حسنًا .. انتهى كلام الشوكانيّ - رحمه الله - ببعض تصرّف.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الشوكانيّ - رحمه الله - تحقيق نفيسٌ جدًّا.
وحاصله أن يُجمع بين حديث:"لا فرع، ولا عَتيرة" وأحاديث الأمر بالفرع والعتيرة، بأن الأمر للندب، والنفي محمول على نفي الوجوب، أو أن النفي محمول على الفَرَع والعتيرة التي كانت على صفة الجاهليّة، مِنْ ذَبْحها