لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فقال رجل: يا رسول الله العتائر، والفرائع، قال:"من شاء عَتَرَ، ومن شاء لم يعتر، ومن شاء فَرَّع، ومن شاء لم يُفَرِّع"، وهذا صريح في عدم الوجوب، لكن لا ينفي الاستحباب، ولا يُثبته، فيؤخذ الاستحباب من حديث آخر.
وقد أخرج أبو داود من حديث أبي العُشَراء، عن أبيه، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سئل عن العتيرة، فحسَّنها.
وأخرج أبو داود، والنسائيّ، وصححه ابن حبان، من طريق وَكِيع بن عُدُس، عن عمه أبي رَزِين العُقَيليّ قال: قلت: يا رسول الله إنا كنا نذبح ذبائح في رجب، فنأكل، ونطعم من جاءنا؟، فقال:"لا بأس به"، قال وكيع بن عُدُس: فلا أَدَعُه.
وجزم أبو عبيد بأن العتيرة تُستحب، وفي هذا تعقّب على من قال: إن ابن سيرين تفرد بذلك، ونَقَل الطحاويّ عن ابن عون أنه كان يفعله، ومال ابن المنذر إلى هذا، وقال: كانت العرب تفعلهما، وفَعَلهما بعض أهل الإسلام بالإذن، ثم نَهَى عنهما، والنهي لا يكون إلا عن شيء كان يُفْعَلُ، وما قال أحد: إنه نهَى عنهما، ثم أَذِن في فعلهما، ثم نَقَل عن العلماء تَرْكهما إلا ابن سيرين، وكذا ذكر عياض أن الجمهور على النَّسخ، وبه جزم الحازميّ، وما تقدم نَقْله عن الشافعيّ يَرُدّ عليهم.
وقد أخرج أبو داود، والحاكم، والبيهقيّ، واللفظ له، بسند صحيح، عن عائشة - رضي الله عنهما -: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفَرَعَة في كل خمسين واحدة". انتهى ما في "الفتح"(١)، وهو بحث نفيسٌ.
وقال العلّامة الشوكانيّ - رحمه الله -: أحاديث الباب يدلّ بعضها على وجوب العَتيرة والفرَع، وهو حديث مِخنَف، وحديث نُبيشة، وحديث عائشة، وحديث عمرو بن شُعيب، وبعضها يدلّ على مجرّد الجواز من غير وجوب، وهو حديث الحارث بن عمرو، وأبي رَزين، فيكون هذان الحديثان كالقرينة الصارفة للأحاديث المقتضية للوجوب إلى الندب. وقد اختُلف في الجمع بين الأحاديث
(١) "الفتح" ١٢/ ٤١٤ - ٤١٦، كتاب "العقيقة" رقم (٥٤٧٤).