للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أهل الجاهلية يذبحونه، يطلبون به البركة في أموالهم، فكان أحدهم يذبح بِكْر ناقته، أو شاته؛ رجاء البركة فيما يأتي بعده، فسألوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن حُكْمها، فأعلمهم أنه لا كراهة عليهم فيه، وأمرهم استحبابًا أن يتركوه حتى يُحْمَل عليه في سبيل الله. وقوله: "حَقّ"؛ أي: ليس بباطل، وهو كلام خرج على جواب السائل، ولا مخالفة بينه وبين حديثه الآخر: "لا فَرَعَ، ولا عَتِيرة"، فإن معناه: لا فرع واجب، ولا عتيرة واجبة، وقال غيره: معنى قوله: "لا فَرَعَ، ولا عَتِيرة"؛ أي: ليسا في تأكد الاستحباب كالأضحية، والأول أولى.

وقال النوويّ (١): نَصّ الشافعيّ في حرملة على أن الفَرَع والعتيرة مستحبان، ويؤيِّده ما أخرجه أبو داود، والنسائيّ، وابن ماجه، وصححه الحاكم، وابن المنذر، عن نُبيشة - بنون، وموحدة، ومعجمة، مصغرًا - قال: نادى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا كنا نَعْتِر عَتِيرةً في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال: "اذبحوا لله، في أيّ شهر كان"، قال: إنا كنا نَفْرع في الجاهلية؟ قال: "في كل سائمة فَرَعٌ، تغذوه ماشيتك، حتى إذا استَحْمَل ذبحته، فتصدقت بلحمه، فإن ذلك خير"، وفي رواية أبي داود، عن أبي قلابة: السائمة مائة.

ففي هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يبطل الفَرَع والعتيرة من أصلهما، وإنما أبطل صفةً من كلّ منهما، فمن الفَرَع كونه يذبح أول ما يولد، ومن الْعَتِيرة خصوص الذبح في شهر رجب.

وأما الحديث الذي أخرجه أصحاب "السنن" من طريق أبي رَمْلة، عن مِخْنف بن سُليم، قال: كنا وقوفًا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، فسمعته يقول: "يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحيةٌ، وعتيرةٌ، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي يسمونها الرجبية"، فقد ضعّفه الخطابيّ (٢) لكن حسّنه الترمذيّ.

وجاء من وجه آخر عن عبد الرزاق، عن مِخْنف بن سُليم، ويمكن رَدّه إلى ما حُمِل عليه حديث نُبيشة.

ورَوَى النسائيّ، وصححه الحاكم، من حديث الحارث بن عمرو، أنه


(١) "المجموع شرح المهذّب" ٨/ ٤٢٨، وشرح مسلم" ١٣/ ١٣٦.
(٢) "معالم السنن" ٢/ ١٩٥.