للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعَرْض عُود الحصير على صانعها قضيبًا قضيبًا، والله تعالى أعلم.

(فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا) أي: دخلت فيه دُخولًا تامًّا، وأُلزمها، وحَلَّت منه محلَّ الشراب، ومنه قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} الآية [البقرة: ٩٣]، أي: حبّ العجل وأشربوا في قلوبهم العجل، ومنه قولهم: ثوبٌ مُشْرَبٌ بحمرة، أي: خالطته الحمرة مخالطةً لا انفكاك لها (نُكِتَ) بالبناء للمفعول؛ أي: نُقِطَ فيه (فِيهِ نُكْتَةٌ) أي: نُقْطَةٌ (سَوْدَاءُ) قال في "القاموس": "النُّكتة بالضمّ: النُّقْطة، جمعه نِكَاتٌ، كبِرَامٍ، وشِبْهُ الوَسَخِ في المِرآة. انتهى (١). وقال في "المصباح": النُّكْتةُ في الشيء؛ كالنقطة، والجمع نُكَتٌ ونِكَاتٌ، مثلُ بُرْمة وبُرَم وبِرَامٍ، ونُكَاتٌ. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: معنى نُكِتَ نُكْتَةٌ: نُقِطَ نُقْطة، وهي بالتاء المثنّاة في آخره، قال ابن دُرَيد وغيره: كلُّ نُقْطَة في شيء بخلاف لونه، فهو نَكْتٌ. انتهى.

ومعنى أنكرها: ردها، والله اعلم.

(وَأَيُّ قَلْب أَنْكَرَهَا) أي: ردّ تلك الفتنة المعروضة عليه، ولم يَقبلها (نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ) الضمير للقلوب، أي: حتى تصير قلوب الناس في ذلك الوقت (عَلَى قَلْبَيْنِ) أي: منقسمةً على قسمين: قسم قلبٌ (عَلَى أَبْيَضَ) أي: قلب أبيض، فحَذَفَ الموصوف؛ للعلم به، وأقام الصفة مُقامه (مِثْلِ الصَّفَا) بالجرّ صفة لـ "أبيض"، وليس تشبيهه بالصَّفَا من جهة بياضه، ولكن من جهة صلابته وشدّته على عقد الإيمان، وسلامته من الخَلَل، وأن الفِتَن لم تَلْصَق به، ولم تؤثر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يَعْلَق به شيء بخلاف الآخر الذي شبّهه بالْكُوز الخاوي؛ لأنه فارغٌ من الإيمان والأمانة، كما قيل في قوله تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: ٤٣]، قيل: لا تَعِي خيرًا. انتهى (٣).

(فَلَا تَضُرُّهُ) أي: القلب الموصوف بما ذُكر (فِتْنَةٌ) وقوله: (مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) أراد به التأبيد، أي: إن ذلك القلب لا تصيبه فتنة، ولا


(١) "القاموس المحيط" ص ١٤٩.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٦٢٤.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ٥٧٣، و"المفهم" ١/ ٣٥٩.