للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو الأستاذ أبو عبد الله بن سليمان، فقال: معناه تُعْرَضُ على القلوب، أي: تُظْهَرُ لها فتنة بعد أخرى.

وقوله: "كالحصير": أي: كما يُنْسَج الحصير عُودًا عُودًا، وشَطْبَةً بعد أخرى.

قال القاضي: وعلى هذا تترجَّح روايةُ ضم العين، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب يَحتاج إلى مُنَقّ للقُضْبان لأخذ الشَّطْب، وهو قُشُورُها، ولِحَاؤُها التي تُصنع منه، ومُصْلِحٍ لها، ثم يمكنها الناسجُ الحصير، ويَعْرِضها واحدًا واحدًا، كلما صنع واحدةً، ونسجها ناوله أخرى، قال قيس بن الخطيم الأنصاريّ [من الطويل]:

تَرَى قِصَدَ المُرّان تُلْقِي كَأَنَّهَا … تَذَرُّعُ خِرْصَانٍ بِأَيْدِي الشَّوَاطِبِ (١)

والخِرْصَانُ القُضْبان.

فشَبَّهَ عَرْضَ الفِتَن على القلوب واحدة بعد أخرى بِعَرْض شَطْب الحصير على صانعها قضيبًا قضيبًا، وشَطْبَةً شَطْبةً، وهو معنى قوله: "عُودًا عُودًا"، وهو معنى الحديث عندي، وهو الذي يدلّ عليه سياق لفظه، وصحة تشبيهه.

وقال الهَرَويّ: معناه أنها تُحيط بالقلوب، يُقال: حَصَرَ به القومُ، أي: أطافوا به، وقال الليث: حَصِير الجنب عِرْقٌ يَمتدّ مُعترضًا على جنب الدابّة إلى ناحية بطنها، شَبّهها به، قال: وقيل: إنه أراد عَرْضَ السَّجْن، والحَصِير السَّجْنُ، قال الله - عز وجل -: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: ٨]، ومُراده عَرْضُ أهل السجن على قيّمه. انتهى كلام القاضي - رحمه الله - (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أقرب الأقوال عندي وأوضحها ضبطًا ومعنًى هو الذي رجحه عياض، وأشار إليه القرطبيّ رحمهما الله تعالى، وهو أنه بضمّ العين، والمراد تشبيه عَرْضِ الفِتَن على القلوب واحدة بعد أخرى


(١) قِصَدُ المرّان: هي أغصان شجر الرماح، والشواطب جمع شاطبة، وهي المرأة التي تشطب الجريد؛ أي تشقّقه لتعمل منه الحُصُر، و"الخُرصان" جمع خرص: الجريد من النخل، انظر ما كتبه في هامش: "الإكمال" ١/ ٥٧١.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٥٦٩ - ٥٧٢.