للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن الأثير رحمه الله: "المُجَخّي": المائلُ عن الاستقامة والاعتدال، فشَبَّهَ القلب الذي لا يَعِي خيرًا بالكوز المائل الذي لا يَثْبُتُ فيه شيءٌ. انتهى (١).

قال القاضي عياض رحمه الله: قال لي ابن سراج: ليس قوله: "كالكوز مُجَخِّيًا" تشبيهًا لما تقدم من سواده، بل هو وصف آخرُ من أوصافه، بأنه قُلِبَ ونُكِّس حتى لا يَعْلَق به خيرٌ، ولا حِكْمة، ومَثَّله بالكوز المُجَخِّي، وبَيَّنه بقوله: "لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ".

وقال أبو عبيد: "المُجخّي": المائل، ولا أحسبه أراد بميله إلا أنه مُنْخَرِقُ الأسفل، شبّه به القلب الذي لا يعي خيرًا، كما لا يثبتُ الماء في الكُوز المنخرق.

وتعقّب القاضي عياض كلام أبي عبيد هذا، فقال: إذا كان مقلوبًا منكوسًا لم يثبُت فيه شيء، وإن لم يكن منخرقًا. انتهى (٢). وهو تعقّب جيّد، والله تعالى أعلم.

(لَا يَعْرِفُ) بالبناء للفاعل، وفاعله ضمير القلب الموصوف بما ذُكر (مَعْرُوفًا) أي: أمرًا عُرِف بالشرع حسنُهُ وثوابه (وَلَا يُنْكِرُ) بالبناء للفاعل أيضًا (مُنْكَرًا) أي: ما أُنكر في الشرع، ونُهي عنه (إِلا مَا أُشْرِبَ) بالبناء للمفعول، وقوله: (مِنْ هَوَاهُ") بيان لـ"ما أي: ما تهواه نفسه بغير إذن شرعيّ، كما قال عز وجل: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: ٥٠].

وقال صاحب "التحرير": معنى الحديث أن الرجل إذا تَبعَ هواه، وارتكَبَ المعاصي دَخَلَ قَلْبَهُ بكل معصية يتعاطاها ظلمةٌ، وإذا صار كذلك افْتُتِنَ، وزال عنه نور الإسلام، والقلبُ مثلُ الكوز، فإذا انكَبّ انصَبّ ما فيه، ولم يَدْخُله شيء بعد ذلك. انتهى (٣).


(١) "النهاية" ١/ ٢٤٢.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٥٧٥.
(٣) راجع: "شرح النوويّ" ٢/ ١٧٣.