للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فهو مَيْسر. قال أبو عبيد: تأوّل قوله تعالى: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ}.

وقال النسفيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ذَكَر الله تعالى ما يتولّد منهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر، والقمر، وما يؤدّيان إليه من الصدّ عن ذِكر الله، وعن مراعاة أوقات الصلاة من بين الذِّكر لزيادة درجتها، كأنه قال: وعن الصلاة خصوصًا، وإنما جَمَع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أَوّلًا، ثم أفردهما آخِرًا؛ لأنَّ الخطاب مع المؤمنين، وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر، وذَكَر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر وإظهار أن ذلك جميعًا من أعمال أهل الشرك، فكأنه لا مباينة بين عابد الصنم، وشارب الخمر والمقامر، ثم أفردهما بالذِّكر ليُعلم أنهما المقصود بالذِّكر. انتهى (١).

{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قال النسفيّ: من أبلغ ما يُنهى به، كأنه قيل: قد تُلي عليكم ما فيها من أنواع الصوارف، والزواجر، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون، أم أنتم على ما كنتم عليه، كان لَمْ توعظوا، ولم تزجروا؟ انتهى (٢).

وقال القرطبيُّ: لَمّا عَلِم عمر - رضي الله عنه - أن هذا وعيد شديد زائد على معنى: "انتهوا"، قال: انتهينا، وأمر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مناديه أن ينادي في سكك المدينة: "إلا إنّ الخمر قد حُرِّمت"، فكُسِرت الدِّنَانُ، وأريقت الخمر، حتى جرت في سكك المدينة. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم.

مسائل تتعلّق بهاتين الآيتين الكريمتين:

(المسألة الأولى): كان تحريم الخمر بتدريج، ونوازل كثيرة، فإنهم كانوا مُولَعين بشربها، وأول ما نزل في شأنها: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} الآية [البقرة: ٢١٩]؛ أي: في تجارتهم، فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس، وقالوا: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير، ولم يتركها بعض الناس، وقالوا: نأخذ منفعتها، ونترك إثمها، فنزلت هذه


(١) "تفسير النسفيّ" ١/ ٣٠٠ - ٣٠١.
(٢) "تفسير النسفيّ" ١/ ٣٠١.
(٣) "تفسير القرطبيّ" ٦/ ٢٩٢.