له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بم ساررته؟ " قال: أمرته ببيعها، فقال:"إن الذي حرَّم شربها، حرم بيعها"، قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها، فهذا حديث يدلُّ على ما ذكرناه، إذ لو كان فيها منفعة من المنافع الجائزة، لبيَّنه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما قال في الشاة الميتة:"هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به … " الحديث.
[تنبيه]: إنما أهدى هذا الرجل الراوية لأنه لَمْ يبلغه الناسخ، وكان متمسكًا بالإباحة المتقدمة، فكان ذلك دليلًا على أنَّ الحكم لا يرتفع بوجود الناسخ، كما يقوله بعض الأصوليين، بل ببلوغه، كما دلّ عليه هذا الحديث، وهو الصحيح؛ لأنَّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يوبخه، بل بيَّن له الحكم، ولأنه مخاطب بالعمل بالأول، بحيث لو تركه عصى بلا خلاف، وإن كان الناسخ قد حصل في الوجود، وذلك كما وقع لأهل قباء، إذ كانوا يصلّون إلى بيت المقدس، إلى أن أتاهم الآتي، فأخبرهم بالناسخ، فمالوا نحو الكعبة، أفاده القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "تفسيره"(١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
(المسألة الخامسة): هذه الآية تدل على تحريم اللعب بالنرد، والشطرنج قمارًا، أو غير قمار؛ لأنَّ الله تعالى لمّا حرّم الخمر أخبر بالمعنى الذي فيها، فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية [المائدة: ٩٠]، ثم قال: إِنَّمَا {يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الآية [المائدة: ٩٠]، فكل لهو دعا قليله إلى كثير، وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه، وصَدّ عن ذكر الله، وعن الصلاة فهو كشرب الخمر، وأوجب أن يكون حرامًا مثله.
[فإن قيل]: إن شرب الخمر يورث السكر، فلا يقدر معه على الصلاة، وليس في اللعب بالنرد والشطرنج هذا المعنى.
[قيل له]: قد جمع الله تعالى بين الخمر والميسر في التحريم، ووصفهما جميعًا بأنهما يوقعان العداوة والبغضاء بين الناس، ويصدّان عن ذكِر الله، وعن الصلاة، ومعلوم أن الخمر إن أسكرت، فالميسر لا يسكر، ثم لَمْ يكن عند الله افتراقهما في ذلك يمنع من التسوية بينهما في التحريم؛ لأجل ما اشتركا فيه من