للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إضاعة المال، ولا يقول أحد فيمن أراق خمرًا على مسلم، أنه أتلف له مالًا، وقد أراق عثمان بن أبي العاص خمرًا ليتيم، واستؤذن - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تخليلها، فقال: "لا"، ونهى عن ذلك، ذهب إلى هذا طائفة من العلماء، من أهل الحديث والرأي، وإليه مال سحنون بن سعيد.

وقال آخرون: لا بأس بتخليل الخمر، ولا بأس بأكل ما تخلل منها بمعالجة آدميّ، أو غيرها، وهو قول الثوريّ، والأوزاعيّ، والليث بن سعد، والكوفيين.

وقال أبو حنيفة: إن طُرح فيها المسك، والملح، فصارت مُرَبَّى، وتحولت عن حال الخمر جاز، وخالفه محمد بن الحسن في المربى، وقال: لا تعالج الخمر بغير تحويلها إلى الخل وحده.

قال أبو عمر بن عبد البرّ: احتج العراقيون في تخليل الخمر بأبي الدرداء، وهو ما يُروَى عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء من وجه ليس بالقوي، أنه كان يأكل المربى منه، ويقول: دبغته الشمس والملح، وخالفه عمر بن الخطاب، وعثمان بن أبي العاص في تخليل الخمر، وليس في رأي أحد حجة مع السُّنَّة، وبالله التوفيق.

وقد يَحْتَمِل أن يكون المنع من تخليلها، كان في بدء الإسلام عند نزول تحريمها؛ لئلا يستدام حبسها لِقُرب العهد بشربها، إرادة لقطع العادة في ذلك، وإذا كان كذلك لَمْ يكن في النهي عن تخليلها حينئذ، والأمر بإراقتها ما يمنع من أَكْلها إذا خُلِّلت.

ورَوَى أشهب عن مالك قال: إذا خلَّل النصراني خمرًا فلا بأس بأكله، وكذلك إن خللَّها مسلم، واستغفر الله، وهذه الرواية ذكرها ابن عبد الحكم في كتابه، والصحيح ما قاله مالك في رواية ابن القاسم، وابن وهب أنه لا يحل لمسلم أن يعالج الخمر حتى يجعلها خلًّا، ولا يبيعها، ولكن ليهرقْهَا.

ولم يختلف قول مالك وأصحابه، أن الخمر إذا تخللت بذاتها، أنَّ أكل ذلك الخل حلال، وهو قول عمر بن الخطاب، وقبيصة، وابن شهاب، وربيعة، وأحد قولي الشافعيّ، وهو تحصيل مذهبه عند أكثر أصحابه. انتهى (١).


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ٦/ ٢٩٠.