ولكنه داء". (فَنَهَا) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَو كَرِهَ) "أو" للشكّ من الراوي، إما علقمة، أو من دونه، قال شيخه: "فنها"، أو قال: "كَرِه". (أَنْ يَصْنَعَهَا)؛ أي: يعتصر الخمر، (فَقَالَ) طارق (إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ)؛ أي: لأجل أن أداوي بها المرضي، (فَقَالَ: "إِنَّهُ)؛ أي: إن المصنوع من الخمر (لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ") ولكونه داء أسكر شاربه، فأزال عقله، فأي مرض أشدّ من فقدان العقل الذي هو مدار التكليف، ومعدن التشريف؟ فما شرّف الأنسان على غيره من الحيوان إلَّا به، فسبحان من أكرم العقلاء، وميّزهم من البهائم، وسائر الحيوانات بما ركّبه فيهم من هذا العقل الشريف، {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠)} [القصص: ٧٠].
[فائدة]: ذَكَر بعض المحقّقين أن كلّ ما يقوله الأطباء من المنافع في الخمر، وشربها، كان عند شهادة القرآن أن فيها منافع للناس قبلُ، وأما بعد نزول آية "المائدة"، فإن الله تعالى الخالق لكل شيء سَلَبها المنافع جملةً، فليس فيها شيء من المنافع، وبهذا تسقط مسألة التداوي بالخمر. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا بحث نفيسٌ جدًّا، وهو الذي يشهد له حديث الباب، فقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمّا قال له طارق: إنما أصنعها للدواء: "إنه ليس بدواء، ولكنه داء"، فصرّح بأن الخمر داء، وليس فيه دواءٌ، فليتنبّه العاقل لهذا البحث الدقيق، فإنه جامع مانع، فمن ادّعى بعد هذا أن الخمر فيها دواء لكذا وكذا من الأمراض، فقد عاند النصّ الصريح الذي أخبرنا بسلب الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عنها النفع على الإطلاق، {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}[فاطر: ١٤]، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث وائل بن حجر - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -.
[تنبيه]: أخرج مسلم - رَحِمَهُ اللهُ - هنا رواية علقمة عن أبيه، "أن طارق بن سويد سأل … إلخ" فجعله من مسند وائل بن حُجر، لا من مسند طارق نفسه، فالظاهر أنه يرجّح هذه الرواية، وقد تقدّم الخلاف في ذلك، فمنهم من جعله
(١) راجع: "سبل السلام شرح بلوغ المرام" للصنعانيّ - رَحِمَهُ اللهُ - ٤/ ٣٦.