للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معه إلى جماعة عبد القيس كتابًا، فذهب به، وكتمه أيامًا، ثم اطّلعت عليه امرأته، وهي بنت المنذر بن عائذ - بالذال المعجمة - ابن الحارث، والمنذر هو الأشج، سمّاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به؛ لأثر كان في وجهه، وكان منقذ - رضي الله عنه - يصلي، ويقرأ، فنكرت امرأته ذلك، فذكرته لأبيها المنذر، فقالت: أنكرت بَعْلي منذ قدم من يثرب، أنه يغسل أطرافه، ويستقبل الجهة؛ تعني: القِبلة، فيحني ظهره مرة، ويضع جبينه مرة، ذلك ديدنه منذ قَدِم، فتلاقيا، فتجاريا ذلك، فوقع الإسلام في قلبه، ثم ثار الأشج إلى قومه عَصَر، ومحارب بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقرأه عليهم، فوقع الإسلام في قلوبهم، وأجمعوا على السير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسار الوفد، فلما دنوا من المدينة، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لجلسائه: "أتاكم وفد عبد القيس، خير أهل المشرق، وفيهم الأشج العصريّ، غير ناكثين، ولا مُبدِّلين، ولا مرتابين، إذ لم يُسْلِم قوم حتى وَتِرُوا".

وقال القاضي عياض رحمه الله: وكانت وفادة عبد القيس عام الفتح قبل خروج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة، ونزلت فريضة الحج سنة تسع بعدها على الأشهر، وتقدّم ذِكر هذا كلّه في "كتاب الإيمان"، وإنما أعدته؛ تذكيرًا؛ لطول العهد به. (عَلَى النَّبِيّ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّبِيذِ) وفي رواية النسائيّ: "فسألوه فيما ينبذون"، و"في" بمعن "عن"، و"ما" موصولة؛ أي: عن الوعاء الذي ينبذون فيه.

(فَنَهَاهُمْ) - صلى الله عليه وسلم - (أَنْ يَنْتَبِذُوا فِي الدُّبَّاءِ) بضم الدال، وبالمدّ: هو القرع اليابس؛ أي: الوعاء منه. (وَالنَّقِيرِ) بالنون المفتوحة، والقاف، وقد جاء في تفسيره في رواية أنه جذع يُنقر وسطه، (وَالْمُزَفَّتِ)؛ أي: المطليّ بالزفت، وهو القار، (وَالْحَنْتَمِ) - بحاء مهملة مفتوحة، ثم نون ساكنة، ثم تاء مثناة من فوقُ مفتوحة، ثم ميم، الواحدة حنتمة - وقد تقدّم الاختلاف في تفسيرها قريبًا، وأن معنى النهي عن هذه الأربع، أنه نهي عن الانتباذ فيها، وهو أن يُجعل في الماء حبات، من تمر، أو زبيب، أو نحوهما؛ ليحلو ويُشرَب، وإنما خُصّت هذه بالنهي؛ لأنه يُسرع الإسكار فيها، فيصير حرامًا، وتبطل ماليّته، فنُهي عنه؛ لِمَا فيه من إتلاف المال، ولأنه ربما شربه بعد إسكاره مَن لم يَطّلع عليه، ولم يَنهَ عن الانتباذ في أسقية الأدم، بل أَذِنَ فيها؛ لأنها لرِقّتها لا يخفى فيها المسكر، بل إذا صار مسكرًا شقها غالبًا.