للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤ - (ومنها): أن أبا حازم ممن أكثر الرواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقد لازمه خمس سنين.

٥ - (ومنها): أن أبا هريرة - رضي الله عنه - أحفظ من روى الحديث في دهره، روى (٥٣٧٤) حديثًا، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَدَأَ الإِسْلَامُ غَرِيبًا) قال النوويّ رحمه الله: كذا ضبطناه "بدأ" بالهمز، من الابتداء. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله: كذا روايته بهمز بدأ، وفيه نظرٌ، وذلك أن بدأ مهموزًا متعدّ إلى مفعول، كقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (١٠٤)} [الأنبياء: ١٠٤]، قال صاحب "الأفعال": يقال: بدأ الله الخلق بدءًا، وأبدأهم: خَلَقهم، و"بدأ" في الحديث، لا يقتضي مفعولًا، فظهر الإشكال، ويرتفعُ الإشكال بان يُحمَل "بدأ" الذي في الحديث على طرأ، فيكون لازمًا، كما قد اتّفق للعرب في كثير من الأفعال، يتعدّى حملًا على صيغة، ولا يتعدّى حملًا على أخرى، كما قالوا: رجع زيد، ورجعته، وفَغَرَ فاه، وفَغَرَ فُوهُ، وهو كثير، وقد سمعتُ من بعض أشياخي إنكار الهمزة، وزعم أنه "بدا" بمعنى ظهر، غير مهموز، وهذا فيه بُعْدٌ من جهة الرواية والمعنى، فأما الرواية بالهمزة، فصحيحةُ النقل عمن يُعتمد على علمه وضبطه، وأما المعنى فبعيدٌ عن مقصود الحديث، فإن مقصوده أن الإسلام نشأ في أول أمره في آحاد من الناس وقِلّةٍ، ثم انتشر وظهر، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه سيلحقه من الضعف والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلّةٍ كابتدائه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: الصواب أن "بدأ" لازمًا مستعمل فصيحٌ، منقول عن أهل اللغة، قال الفيّوميّ رحمه الله: "بدأ الشيءُ": حَدَثَ، وابتدأته: أحدثته، وقال قبل ذلك: وبدأ الله الخلقَ، وابتدأهم بالألف: خلقهم. انتهى (٣).

وأصل الغربة: البُعْدُ، كما قال [من الطويل]:


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ١٧٦.
(٢) "المفهم" ١/ ٣٦٢.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٤٠.