للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَلَا تَحْرِمِينِي نَائِلًا عَنْ جَنَابَةٍ … فَإِنِّي امرُؤٌ وَسْطَ الْعُبَابِ غَرِيبُ

ويَحتَمِلُ أن يُراد بالحديث المهاجرين؛ إذ هم الذين تغرّبوا عن أوطانهم فرارًا بأديانهم، فيكون معناه أن آخر الزمان تشتدّ فيه المحنُ على المسلمين، فيَفِرّون بأديانهم، ويغتربون عن أوطانهم، كما فَعَل المهاجرون، وقد ورد في الحديث: قيل: يا رسول الله مَنِ الغُرباء؟ قال: "هم النزّاع من القبائل" (١)؛ إشارة إلى هذا المعنى - والله أعلم - ولذلك قال الهرويّ: أراد بذلك المهاجرين، والنُّزّاع، وهو جمع نَزِيع، أو نازع، وهو الذي نَزَعَ عن أهله وعشيرته، وبَعُدَ عن ذلك. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٢).

وقال القاضي عياضٌ رحمه الله: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بدأ الإسلام غريبًا إلخ" روى ابن أبي أويس عن مالك أن معناه في المدينة، وأن الإسلام بدأ بها غريبًا، ويعود إليها.

وظاهر الحديث العمومُ، وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلّة، ثم انتشر وظهر، ثم سيلحقه النقص والاختلال حتى لا يبقى أيضًا إلا في آحاد وقلّة غريبًا كما بدأ.

وأصل الغربة البعد، وبه سمّي النفيُ تغريبًا لذلك، وورد تفسير الغريب في الحديث قال: "وهم النُّزّاع من القبائل". انتهى كلام القاضي رحمه الله (٣).

وقال التوربشتيّ رحمه الله: يريد أن الإسلام لَمّا بدأ في أول الوَهْلة نَهَضَ بإقامته، والذّبّ عنه أُناس قليلون من أشياع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونُزّاع القبائل، فشرّدوهم عن البلاد، ونَفَوهم عن عُقْر الديار، يُصبح أحدهم معتزلًا مهجورًا، ويَبيتُ مُنتبذًا وحدانًا كالغُرَباء، ثم يعود آخرًا إلى ما كان عليه، لا يكاد يوجد من القليلين إلا الأفراد.


(١) حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده" ١/ ٣٩٨، وابن ماجه في "سننه" (٣٩٨٨) بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء"، قيل: ومَن الغرباء؟ قال: "النُّزّاع من القبائل".
(٢) "المفهم" ١/ ٣٦٢ - ٣٦٣.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ٥٧٩ - ٥٨١.