للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَيحْتَمِلُ أن تكون المماثلة بين الحالة الأولى، والحالة الأخيرة لقلّة من كانوا يتديّنون به في الأول، وقلّة من كانوا يعملون به في الآخر، فطوبى للغرباء المتمسّكين بحبله المتشبّثين بذيله. انتهى.

وقال الطيبي - رحمه الله -: لا يخلو إما أن يُستعار الإسلام للمسلمين، فالغربة هي القرينة، فيرجع معنى الوحدة والوحشة إلى نفس المسلمين، وإما أن يجري الإسلام على الحقيقة، فالكلام فيه على التشبيه، والوحدة والوحشة باعتبار ضعف الإسلام وقلّته، فعلى هذا قوله: "غريبًا" إما حالٌ، أي: بدأ الإسلام مشابهًا للغرباء، أو مفعولًا مطلقًا، أي: الإسلام ظهر ظهور الغرباء حين بدأ فريدًا وحيدًا، لا مأوى له، حتى تبوّأ دار الإسلام أعني طيبة، فطوبى له، وطاب عيشًا، ثم أتمّ الله نوره، فانبثّ في الآفاق، فبلغ مشارق الأرض ومغاربها، فيعود في آخر الأمر وحيدًا فريدًا شريدًا إلى طيبة، كما بدأ، فطوبى له، ولَهَفِي عليه (١)، كما ورد: "إن الإيمان ليأرِزُ إلى المدينة، كما تأرِز الحيّة إلى جحرها"، متّفقٌ عليه، فعلى هذا "طوبى" ترشيح الاستعارة. انتهى كلام الطيبيّ - رحمه الله - (٢).

(وَسَيَعُودُ) أي: الإسلام (كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا) الكاف صفة لمصدر محذوف، و"ما" اسم موصول، أو مصدريّة، والتقدير: وسيعود عودًا مثل بدئه الذي بدأ به من الغربة، أي: القلّة؛ لقلّة أهله في الناس.

(فَطُوبَى) "طُوبَى": فُعْلَى من الطِّيب، قاله الفرّاء، قال: وإنما جاءت الواو؛ لضمة الطاء، قال: وفيها لغتان: تقول العرب: طُوباك، وطوبى لك، وسيأتي اختلاف العلماء في معناه في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى -.

(لِلْغُرَبَاءِ) أي: للذين يغتربون عن أوطانهم، وذويهم، وعشيرتهم فرَارًا بدينهم، وطلبًا لمرضاة ربّهم سبحانه وتعالى، وقد سبق أنه - صلى الله عليه وسلم - فسّرهم بأنهم النُّزّاع من القبائل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) لَهِفَ كفَرِحَ: حَزِنَ وتحسّر. اهـ. "ق" ص ٧٦٩.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٦٢٦.